صندوق النقد الدولي: كيف تواجه الدول العربية جائحة كورونا؟
تقرير آفاق - الاقتصاد الاقليميبوابة إفريقيا الاقتصاديةأصيبت منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصدمتين كبيرتين تدعم كل منهما الأخرى، مما أدى إلى تراجع كبير في توقعات النمو لعام 2020. فبالإضافة إلى الخسائر المدمرة في الصحة الإنسانية، تتسبب جائحة كوفيد-19 وهبوط أسعار النفط في إحداث اضطرابات اقتصادية في المنطقة، مع إلحاق ضرر بالغ بالدول الهشة والمتأثرة بالصراعات على وجه الخصوص نظرا للتحديات الكبيرة التي تواجهها بالفعل على المستوى الإنساني وفيما يتعلق باللاجئين، إلى جانب ضعف بنيتها التحتية الصحية. وتتمثل الأولوية العاجلة بالنسبة للسياسات في إنقاذ الأرواح بالإنفاق اللازم على القطاع الصحي، بغض النظر عن الحيز المالي المتاح، مع الحفاظ على محركات النمو من خلال تقديم دعم موجه إلى الأسر والقطاعات الأكثر تضررا. وفي هذا السياق، يقدم الصندوق مساعدات لمعاونة بلدان المنطقة في هذه الفترة العصيبة. وفي فترة لاحقة، ينبغي دعم التعافي الاقتصادي بإجراءات واسعة النطاق على مستوى سياسة المالية العامة والسياسة النقدية حيثما كان مجال التصرف متاحا أمام هاتين السياستين، ومن خلال الاستعانة بالمساعدات الخارجية حيثما كان هذا المجال محدودا.
الصدمات
تعرضت منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لصدمتين كبيرتين تعزز كل منهما آثار الأخرى: فإلى جانب الآثار المدمرة على صحة الإنسان، تتسبب جائحة كوفيد-19 والهبوط في أسعار النفط في حدوث اضطراب اقتصادي كبير بالمنطقة من خلال صدمات العرض والطلب المتزامنة. وكانت معظم بلدان المنطقة تقريبا قد أبلغت عن حالات إصابة مؤكدة بفيروس كورونا، كما هبطت أسعار النفط بأكثر من 50% منذ بداية العام الجاري.
تسببت الجائحة في حدوث اضطرابات حادة وخسائر فادحة في التجارة، مما أثر على القطاعات ومؤسسات الأعمال الغنية بالوظائف: فقد أدت إجراءات الاحتواء في الاقتصادات الرئيسية وأهم البلدان الشريكة تجاريا إلى تخفيض الطلب الخارجي بشدة. وقد أثر تباطؤ النشاط العالمي الناجم عن ذلك على سلاسل القيمة العالمية في المنطقة، وعلى قطاعات التجزئة والصناعات التحويلية الغنية بالوظائف، فضلا على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وفي الوقت نفسه، فإن الإجراءات الاحتوائية التقييدية التي اتخذتها حكومات المنطقة والمخاوف من الإصابة بالعدوى تضعف طلب المستهلكين، لا سيما في قطاعات السياحة والضيافة والتجزئة. وفي الوقت ذاته، ازدادت حدة تضييق الأوضاع المالية العالمية، مما زاد من التحديات أمام المنطقة.
الأثر قد يكون طويل الأمد: رغم أجواء عدم اليقين الكثيفة التي تكتنف عمق هذه الأزمة ومدتها، فسوف تتسبب هذه الجائحة في تفاقم مشكلة البطالة بالمنطقة وازدياد مواطن الضعف المرتفعة بالفعل الناجمة عن زيادة الدين العام والدين الخارجي في العديد من البلدان.
استجابات البلدان
البلدان كانت سريعة في استجاباتها لمواجهة الأزمة: فقد اتخذت إجراءات لحماية الأرواح واحتواء انتشار الفيروس ودعم القطاعات المتضررة بشدة. وعلى الرغم من زيادة الإنفاق على الصحة العامة في كل البلدان لدعم الحالة الطارئة وتعزيز البنية التحتية في مجال الرعاية الصحية فقد تباينت الاستجابات المتعلقة بالصحة حسب حالة الاستعداد ومستويات الإنفاق الحالية.
تباين حجم التدابير على مستوى المالية العامة في مختلف البلدان حسب حيز السياسة المتاح للتصرف: فقد أعلنت بلدان كثيرة عن مجموعات من التدابير على مستوى المالية العامة، شملت تدابير على جانبي الإيرادات والنفقات، وبلغت في المتوسط 3.8% من إجمالي الناتج المحلي.
قدمت البنوك المركزية دعما مباشرا: فقد تم الإعلان عن تدابير لدعم السيولة في سبعة بلدان، بمتوسط قدره 3.4% من إجمالي الناتج المحلي. وتم تيسير موقف السياسة النقدية في أنحاء المنطقة، مع استخدام سعر الصرف كهامش أمان حسبما يكون ملائما.
الآفاق المتوقعة ومواطن الضعف
الأثر الاقتصادي سيكون بالغا، حيث تسجل المنطقة انكماشا في 2020 بمتوسط قدره 3.1%: قامت معظم بلدان المنطقة بتعديل توقعات النمو بالخفض بأكثر من 4 نقاط مئوية في سنة واحدة، وهو ما يعادل استبعاد 425 مليار دولار من الناتج الكلي للمنطقة. وجاءت هذه التعديلات بالنسبة لكل البلدان تقريبا أعلى من التعديلات المسجلة أثناء الأزمة المالية العالمية في 2008 وصدمة أسعار النفط في 2015.
من المتوقع أن يلحق ضرر جسيم بوجه خاص بالدول الهشة والمتأثرة بالصراعات: فمن المتوقع أن يؤدي الهبوط الاقتصادي إلى تفاقم حدة التحديات الكبيرة بالفعل التي تواجه هذه البلدان على المستوى الإنساني وفيما يتعلق بأزمة اللاجئين، لا سيما في ظل ضعف البنى التحتية الصحية والأحوال المعيشية في هذه البلدان مما سيحفز من سرعة انتشار الجائحة.
الأرصدة الخارجية وأرصدة المالية العامة وقعت تحت وطأة الضغوط: تتعرض البلدان المصدرة للنفط لصدمة مزدوجة يتزامن فيها انخفاض الطلب العالمي وانخفاض أسعار النفط، حيث يتوقع تراجع الصادرات النفطية بأكثر من 250 مليار دولار في أنحاء المنطقة. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تتحول أرصدة المالية العامة إلى السالب، متجاوزة 10% من إجمالي الناتج المحلي في معظم البلدان. أما البلدان المستوردة للنفط فسوف تتأثر سلبا بالتراجع الكبير في تحويلات العاملين في الخارج وتدفقات الاستثمارات ورؤوس الأموال من البلدان المصدرة للنفط. ومع التدهور الكبير في عجز المالية العامة بهذه البلدان- من جراء أثر انخفاض النمو على الإيرادات الضريبية وارتفاع الإنفاق - فمن المتوقع ارتفاع مستوى الدين العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان إلى قرابة 95% من إجمالي الناتج المحلي.
تزايد مواطن الضعف، تماشيا مع الاتجاهات العامة العالمية: تشكل الديون الكبيرة التي تستحق آجالها قريبا مخاطر على التمويل في ظل الظروف الحالية بالأسواق. ومن المحتمل أن تحد مستويات الدين العام المرتفعة من الحيز المالي المتاح لاتخاذ تدابير إضافية.
أولويات السياسة
الأولوية القصوى هي إنقاذ الأرواح: ينبغي استيعاب الإنفاق الأساسي على الصحة، بغض النظر عن الحيز المالي. أما النفقات غير الأساسية فينبغي تأجيلها لإيجاد الحيز اللازم للتصرف. وقد يلزم توفير التمويل الخارجي والدعم من الجهات المانحة.
ينبغي أن توفر السياسات الحماية لمحركات النمو، مع تخفيف الأثر الواقع على الأسر، والقطاعات الأشد تضررا، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة: فينبغي أن تكفل سياسة المالية العامة توفير شبكات الأمان الاجتماعي الكافية، وتقديم مساعدات التخفيف الضريبي، وإعانات الدعم، والتحويلات المؤقتة والموجهة للمستحقين. وينبغي أن تضمن السياسات النقدية والمالية تلبية احتياجات السيولة مع الحفاظ على السلامة المالية.
في المرحلة القادمة، ينبغي أن يتمثل الهدف المنشود في وضع الاقتصاد على مسار تحقيق النمو المستدام: وسيتطلب هذا استعادة الثقة، عن طريق توفير دعم واسع النطاق على مستوى المالية العامة والسياسة النقدية حيثما توافر الحيز اللازم، وطلب المساعدة الخارجية في حالة ضيق الحيز المتاح. ولا ينبغي إلغاء هذا الدعم إلا إذا كان الاقتصاد ماضيا بالفعل على مسار التعافي؛ وينبغي تجنب اللجوء إلى السياسات الحمائية.
دور صندوق النقد الدولي
يستجيب الصندوق حاليا لقدر غير مسبوق من الطلب على المساعدات الطارئة: فهناك 12 طلبا مقدما حتى الآن للحصول على التمويل من الصندوق. وكانت جمهورية قيرغيزستان هي أول بلد عضو يستفيد من موارد "أداة التمويل السريع"/"التسهيل الائتماني السريع"، وأفادت منه تونس أيضا بعد ذلك. ويوفر برنامج الأردن الاقتصادي الجديد الذي يدعمه الصندوق الحيز اللازم للنفقات الحيوية المتعلقة بالصحة. وقام المغرب مؤخرا بالسحب من الموارد المتاحة بموجب "خط الوقاية والسيولة" لتلبية احتياجات ناشئة عن الأزمة الراهنة.
لا تزال إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى مستمرة في المشاركة الوثيقة في جهود البلدان الأعضاء: فقد عقدت عدة مؤتمرات هاتفية مرئية على مستوى المنطقة لمشاركة السلطات في جهودها لمواجهة الصدمات سريعة التطور. ويقدم الخبراء المشورة من خلال المشاركات الثنائية المستمرة ونشر مبادرات الصندوق وأفضل الممارسات على مستوى السياسات.
نحن مستمرون في التنسيق عن كثب مع المؤسسات المالية الدولية، وبنوك التنمية متعددة الأطراف، وبنوك التنمية الإقليمية، والجهات المانحة: فلا يزال خبراء الصندوق مستمرون في التعاون الوثيق، على مستوى مختلف بلدان منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، مع زملائهم في البنك الدولي، وبنك التنمية الآسيوي، والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، ويواصلون التنسيق مع الهيئات الإقليمية مثل صندوق النقد العربي، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، ولجنة التعاون الاقتصادي الإقليمي لآسيا الوسطى، وذلك بهدف حشد المشورة بشأن السياسات، والمساعدات المالية، ودعم الجهات المانحة، ومساعدات تخفيف أعباء الديون.