بوابة إفريقيا الاقتصادية
السبت، 20 أبريل 2024 05:53 مـ بتوقيت طرابلس
بوابة إفريقيا الاقتصادية

تقارير

تركيا بين الارتماءات المجانية وكورونا... الاقتصاد أول الألغام

بوابة إفريقيا الاقتصادية

عندما دخلت ليبيا بقوّة في أحداث المنطقة العربيّة العام 2011، كانت منتشية بالرضى الدّولي عن كل خطواتها عبر إيهامها بأنها إحدى القوى الفاعلة وبالفعل كانت كذلك لكن في سياق تشجيع مجموعات الانفلات التي كانت تتقاطع معها في نفس أهداف التخريب المنتهجة، دون أن تعرف اسطنبول أن ما قامت وتقوم به نتائجه ستكون داخلية سواء على المستوى السياسي عبر توسيع جبهات المعرضة، أو في المستوى الاقتصادي الذي يبدو الأكثر تضررا خاصة بعد تراخي قوى الإسناد وبقائها لوحدها تنتفض انتفاضة المحتضر المكابر.

إلى حدود العام 2011، كانت تركيا تسير في مسار نهضوي استثنائي وفق أغلب المؤشرات الاقتصادية في العالم. هذا معروف لكل متابع للواقع الاقتصادي والسياسي، والفضل في ذلك كان أساسا لخبراء اختفوا اليوم عن ساحة السياسة التركية وأساسا عن حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان، الذي كان شعاره في فترة حكمه الأولى وقبل سنوات "الربيع العربي" "صفر مشاكل"، التي لم تكن إلا مجرّد خدعة وواجهة لنوايا أخرى اكتشفت في أول امتحان له قبل غيره.

لكن المؤشرات الإيجابية للاقتصاد التركي اتخذت منعرجا آخر بعد أن كشف أردوغان عن صورة أخرى وبشعار جديد "زعيم المشاكل"، عبر ارتماءاته الغريبة في مواقع الأصل أن لا دخل له فيها إلا بالحسنى أو بالصمت، فارتباطه بتنظيمات الإسلام السياسي وأطماعه المخفية جعلته ينزلق نحو أطراف ثبت لاحقا أنها تخريبية وساهمت في أزمات بلدانها مازالت تعانيه إلى اليوم ولا أدل عن ذلك ما تقوم به في ليبيا وسوريا.

بين 2011 و2013، حافظ الاقتصاد التركي على نوع من التوازن وعلى نسب نمو مقبولة، إلى أن انقلبت الأمور وسط 2014 فجأة وبدأت الشوارع التركية تغلي بالاحتجاجات وبدأت نسب النمو تنخفض من سنة إلى أخرى ودخل الاقتصاد في حالة من الانكماش بداية من 2016 لتتعمق الأزمة وتبلغ أوجها مع توتر العلاقة مع الولايات المتحدة في 2018 أين هبطت العملة المحلية (الليرة) أمام الدولار بنسق نزول غير مسبوق، وأعلنت بعض الشركات المحلية الإفلاس، وسحب البنك المركزي أسعار الفائدة بشكل حاد. كما بلغت البطالة ذروتها خلال 15 سنة، و"وضعت البنوك يدها على إدارة شركة تورك تليكوم بعد عدم استطاعتها دفع ديونها للبنوك".

تلك التحولات بدأت مظاهرها تتجلى في الشارع التركي عبر الارتفاع الكبير في أسعار المواد التموينية واحتجاج المواطنين على السياسات الاقتصادية المتبعة، وهي احتجاجات وجهت بالزج في السجون دون محاكمات عادلة. كما واصل الدولار صعوده أمام العملة المحلية، ما دق جرس إنذار بأن الوضع لم يعد تحت السيطرة وأن الدور الذي لعبته أنقرة في السنوات الماضية كانت نتيجته إهمال المشاغل المحلية فكان التكلفة في حجم الجرم المرتكب وأصبحت نسب البطالة ترتفع بشكل مزعج للسلطات.

العام 2020 لم يكن أفضل من سابقيه في تراجع المؤشرات الاقتصادية حيث ذكرت تقارير أن "عجز التجارة الخارجية لتركيا (الفرق بين الصادرات والواردات) قفز خلال أول شهرين من العام الجاري 2020، بنسبة 86% على أساس سنوي مقارنة مع الفترة المقابلة من 2019، مدفوعا بارتفاع حاد في قيمة الواردات من الخارج". كما ارتفع عجز الميزان التجاري خلال أول شهرين من العام الجاري بلغ 7.4 مليار دولار أمريكي، مقارنة مع 4 مليارات دولار أمريكي في الفترة المقابلة من العام الماضي 2019. بالإضافة إلى أن الموازنة السابقة كانت "تتوقع عجزاً بقيمة 80.6 مليار ليرة (13.6 مليار دولار)، لكن بنهاية العام المالي تبيّن أن العجز في الموازنة العامة لتركيا قفز إلى مستوى 92.9 مليار ليرة (15.65 مليار دولار) بزيادة تبلغ نحو 12.3 مليار ليرة تعادل نحو (2.07 مليار دولار) بنسبة زيادة تتجاوز نحو 15"%."

ومع بداية انتشار فيروس كورونا، أشارت تقارير دولية إلى أن تركيا، التي بقيت تتهرب من حقيقة الإصابات، بدأت تعاني بالفعل اقتصاديّا، حيث ذكرت وكالة التصنيف الائتماني العالمية "موديز" توقعاتها لنمو الاقتصاد التركي في العام الحالي إلى 2.5 في المائة بدلا عن 3 في المائة، على خلفية امتناعها عن الاعتراف بوجود إصابات بفيروس كورونا رغم أنباء عن انتشاره في البلاد. كما تراكمت على الشركات التركية ديون خارجية بنحو 75 مليار دولار، بما في ذلك ائتمان تجاري، ورغم أن الحكومة يتعين عليها إعادة تمويل نحو 5 مليارات دولار فقط هذا العام، فإن هناك 3 بنوك كبيرة مملوكة للحكومة (الزراعي والأوقاف وخلق) ستحتاج إلى الدعم في الأزمة.

هذه المؤشرات لن تضع الاقتصاد التركي في موقع الانهيار صحيح، لكن المؤكد أيضا أنها ستجعل الأتراك يعانون بسبب تدخلهم في الإقليم وما كلفهم ذلك من أموال، ورفضهم الخروج من المعركة رغم أخطائهم المتكررة يجلعهم أمام تكلفة قد لا يدركونها اليوم وقد لا يدركها اردوغان الذي مازال يحلم بمشروع كبير يستعيد به لحظة سيئة من الماضي

تركيا الاقتصاد التركي البطالة ليبيا كورونا سوريا
المرصد
الأسبوع