الفرق بين التحليل الفني والتحليل الاقتصادي الكلي


في عالم الأسواق المالية، يبدو أحيانًا أن هناك صراعًا خفيًا بين أنصار التحليل الفني وأنصار التحليل الاقتصادي الكلي. الأول يرى أن "السعر يعكس كل شيء"، والثاني يؤمن بأن "الأسواق تتحرك بتأثير السياسات والاقتصاد".
لكن الحقيقة الأذكى ليست في اختيار أحدهما، بل في فهم كيف ومتى وأين نستخدم كلاً منهما، وكيف يتكاملان لصنع قرارات تداول أكثر دقة وتوازنًا.
التحليل الفني: قراءة السلوك من خلال الأرقام والرسوم
التحليل الفني هو دراسة حركة الأسعار عبر الرسوم البيانية والأنماط والمؤشرات الفنية. يتعامل مع ما هو ظاهر على الشارت، بدون اعتبار مباشر للأنباء أو المؤشرات الاقتصادية.
ما يميز التحليل الفني:
يعتمد على السلوك السعري التاريخي للتنبؤ بالحركة المستقبلية.
يستخدم أدوات مثل:
الشموع اليابانية
مستويات الدعم والمقاومة
المتوسطات المتحركة
مؤشرات الزخم مثل RSI وMACD
متى يستخدم؟
في التحليل قصير الأجل السكالبينغ، التداول اليومي.
عند دخول أو خروج صفقات بناءً على التوقيت المثالي.
لفهم مناطق الدخول التي توفّر أفضل نسبة مخاطرة مقابل عائد.
التحليل الاقتصادي الكلي: الصورة الكبيرة التي تقود السوق
في المقابل، التحليل الاقتصادي الكلي (Macro Analysis) يُركّز على الصورة الأوسع: الاتجاهات الاقتصادية العالمية، السياسات النقدية، معدلات الفائدة، التضخم، البطالة، الحروب، سلاسل التوريد... وغيرها من القوى التي تصوغ حركة الأسواق على المدى الطويل.
أبرز أدوات التحليل الكلي:
تقارير البنوك المركزية (مثل الفيدرالي، المركزي الأوروبي)
مؤشرات اقتصادية شهرية مثل:
معدل التضخم (CPI)
الناتج المحلي الإجمالي (GDP)
مؤشر مديري المشتريات (PMI)
معدلات البطالة
متى يستخدم؟
لفهم الاتجاه العام طويل الأجل للسوق.
لتحديد العوامل الأساسية التي تدفع العملات أو الأسهم أو السلع.
عند تقييم مخاطر السوق على نطاق جغرافي أو زمني أوسع.
مثال عملي: تحليل التضخم × تحليل الشموع
لنفترض أنك تتابع زوج العملات الدولار الأمريكي/الين الياباني (USD/JPY) ، صدر تقرير يُظهر أن التضخم في الولايات المتحدة ارتفع بشكل غير متوقع إلى 3.9%، بينما كان المتوقع 3.5%. هذا يعطي إشارة واضحة أن الاحتياطي الفيدرالي قد يُفكر برفع أسعار الفائدة قريبًا.
التحليل الكلي هنا يقول:
هناك احتمال لارتفاع الدولار أمام الين نتيجة الفجوة في السياسات النقدية.
لكنك كمتداول فني، لن تدخل الصفقة مباشرة. تنتظر إشارة على الرسم البياني. في اليوم التالي، يظهر نمط شمعة ابتلاعية صاعدة (Bullish Engulfing) على الرسم البياني لأربع ساعات، من منطقة دعم فني قوية.
عند هذه اللحظة، يتكامل التحليلان:
الكلي أعطاك سبب الدخول
الفني أعطاك التوقيت المثالي
النتيجة؟ دخول مدروس، مبني على منطق واسع وتوقيت دقيق.
متى تتعارض الإشارات؟ وكيف تتصرف؟
أحيانًا يشير التحليل الفني إلى فرصة صعود، بينما التحليل الكلي يُحذر من اتجاه هبوطي محتمل. في هذه الحالة:
إذا كنت مضاربًا قصير الأجل، يمكنك تداول الحركة الفنية مع ضبط إدارة المخاطر.
إذا كنت مستثمرًا أو متداولًا متوسط الأجل، الأفضل الالتزام باتجاه التحليل الكلي وانتظار توافق الإشارات.
استخدام التحليلين معًا: استراتيجية المتداول الذكي
من أكثر الاستراتيجيات كفاءة هي التي تعتمد على التحليل الكلي لاختيار الأسواق أو الأصول المناسبة، ثم استخدام التحليل الفني لتحديد نقطة الدخول والخروج.
مثلاً:
التحليل الكلي يشير إلى ضعف اليورو بسبب تراجع التصنيع في ألمانيا.
تراقب فنيًا زوج EUR/USD وتنتظر كسر دعم فني واضح.
تدخل بيعًا بعد الكسر، مدعومًا بالزخم الاقتصادي والفني.
لماذا التكامل ضرورة، لا رفاهية؟
الأسواق اليوم أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، بسبب تداخل السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا.
المتداول الذي يعتمد على أداة واحدة فقط، يكون كمن يسير بنصف بصر.
بينما من يفهم كيف:
تؤثر معدلات الفائدة على العملات
تترجم البيانات إلى حركة سعرية
تُستخدم النماذج الفنية لتوقيت الدخول
هو المتداول الذي يملك رؤية شاملة وقرارًا موزونًا.