التهريب في ليبيا .. النقمة التي تلازم كل العهود
رامي التلغبوابة إفريقيا الاقتصاديةخلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، واجهت أوروبا تنامياً ملحوظاً في الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات من غرب إفريقيا، الامر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى مطالبة دول المتوسط من الدول المغاربية بتشديد الرقابة على حدودها.
وعلى الرغم من أن الأجهزة الأمنية في ليبيا قبل العام 2011 كانت تراقب الحركة عبر الحدود منضبطة للسلطة المركزية، وكانت المراقبة على السواحل فعّالة عبر اكتساب درجة معينة من قابلية التنبؤ التي فُقدت بعدما تمت الإطاحة بالنظام.
ومنذ إسقاط النظام أصبحت البلاد أحد أهم مراكز التهريب إلى أوروبا، الأمر الذي يؤثر بشكل خاص على مالطا وإيطاليا، التي لاتبعد جزيرة لامبيدوسا التابعة لها أكثر من 600 كيلومتر عن شواطئ ليبيا.
أدى سقوط نظام القذافي أيضا إلى نشوء أزمة دائمة في ما يتعلق بضبط المناطق الحدودية الشاسعة لليبيا، حيث يتسبّب العجز عن السيطرة على حدودها بمشاكل كبيرة بالنسبة إلى جميع جيرانها بسبب التهريب. فتهريب الأسلحة والبشر الذي يعبر الأراضي الليبية، يتدفق بحرّية إلى حدٍّ ما من جميع أنحاء المغرب العربي، وذلك بفضل الجماعات العرقية وعلاقاتها الوثيقة بشبكات الإجرام المنظَّم، والتي تعمل على ربط المنطقة بعضها ببعض.
في تحليل لواقع التهريب في ليبيا قال الباحث في جامعة ستانفورد ستيفن أولفر إنه لكي تتمكن ليبيا من إنشاء استراتيجية أمن حدود فعالة حقاً، يتعين عليها القيام بما لم تقم به أي حكومة ليبية سابقة: تفكيك شبكة المصالح الاقتصادية والمحلية الموجودة لدى قبائل الحدود الليبية، وهذا يتطلب التصدّي للقضايا المجتمعية العويصة، والتي من بينها قضية المواطنة، إلى جانب تطوير بدائل قانونية لاقتصاد السوق السوداء. وسوف تحتاج قوات الحدود إلى إعادة هيكلة وتدريب شاملين، تقريباً من الصفر، بحيث يتسلم الجيش مهمة المراقبة من الجماعات المسلحة المختلفة التي تسيطر على حدود ليبيا حالياً. إن إجراء إصلاح حقيقي لمنظومة القوانين سيكون عملية طويلة، وهذا يعني أن المناطق الحدودية المضطربة في ليبيا ستبقى تمثل تحدياً بالنسبة لكل من ليبيا وأوروبا لفترة طويلة في المستقبل.
في نفس السياق، فإن سقوط القذافي سمح بـ«منافسة مفتوحة» بين تلك مجموعات للسيطرة على مسارات التهريب، مع انهيار الاتفاقات السابقة بينها. وقال تقرير المعهد الملكي للشؤون الدولية في بريطانيا «تشاتام هاوس» إن أفراد وشبكات ومجتمعات، إثنية وقبلية ومجتمعات في المدن، تنافست على الصدارة في الأسواق غير الشرعية الحيوية في ليبيا.
وتحدث تقرير عن ثلاثة نماذج تحكم «اقتصاد الحرب» في ليبيا، وهي سلسلة من الأنشطة غير القانونية التي تُمارَس بهدف نهب موارد الدولة والتربح من حالة الفوضى الراهنة.
ويتتبع التقرير ثلاثة نماذج تشكل إطار الأنشطة التي يجري ممارستها داخل «اقتصاد الحرب» في ليبيا، قال إنها تطورت خلال السنوات الماضية، هي البيع المباشر للبضائع والسلع عبر التهريب، وتوليد الإيجارات والابتزاز، ونهب موارد الدولة، موضحًا أن النماذج الثلاثة لا تُمارَس بمعزل عن بعضها، بل هي متداخلة.
وأشار التقرير إلى حدوث تغييرات على تلك الأسواق بعد العام 2011، إذ تطورت مسارات التهريب بالصحراء من مسارات للتجارة غير الرسمية للبضائع المهربة إلى قنوات لتهريب الأسلحة والوقود والمخدرات والبشر.
وأصبح تهريب البضائع المدعمة، مثل الوقود والأرز وغيرهما، جزءًا حيويًّا من الحياة الاقتصادية للمجتمعات المتواجدة على طول الشريط الحدودي. لكن التقرير لفت إلى تأثر أنشطة التهريب أيضًا برفع جزء من الدعم على البضائع وارتفاع أسعار المستهلكين.
وأكد المعهد البريطاني أن غياب سلطة الدولة سمح بتوسع مساحة أنشطة التهريب، وتحولت تلك الأنشطة إلى «صناعة» من حيث مستوى التكامل والتنظيم.
ولا يمكن للمهربين العمل دون حماية، وهذا سمح بظهور ما سماه التقرير «سوق حماية»، تخدم المجموعات المسلحة الباحثة عن الحماية واستئجار مجموعات لهذا الغرض، و المتعاملين في هذه السوق متورطون أيضًا بشكل مباشر في التهريب.
و تدخل أغلب عمليات التهريب من الحدود النيجيرية أو التشادية ثم تعبر إلى منطقة القطرون لتمر عبر منطقة الصحراء باتجاه مدينة سبها ثم تتوجه إلى براك الشاطئ ومن ثمة إلى منطقة الشويرف ثم غريان ومنطقة مسدة ومنها إلى غرب ليبيا بالتحديد لعاصمة طرابلس أو الزاوية أو صبراتة، حسب عمر بوسعدة مستشار أمني في مدينة سبها.
وأضاف أن "المهربين هم عبارة على عدة مجموعات منظمة، كل مجموعة تتواجد في منطقة من هذه المناطق، ونظرا لطول مسافة رحلة التهريب التي تتجاوز 600 كلم، تتكفل كل شبكة بجزء من الرحلة وبالإشراف على عمليات التسليم وتأمينها".
وبيّن بوسعدة أن "هذه العمليات لم تعد تقتصر على الليل فقط، بل أصبحت تتم في وضح النهار وعبر الطرق الرئيسية وأمام أعين المواطنين وأجهزة الأمن الضعيفة"، مضيفا أن "المهربين من جنسيات مختلفة أغلبهم ليبيون يقومون بتشغيل أفارقة من التشاد والنيجر والسودان لمساعدتهم في عمليات التهريب مثل قيادة السيارات".
وقال في هذا السياق "تواجد أجهزة الأمن ضعيف جدا في الجنوب ولا توجد قوة قادرة على توقيف المهربين الذين يمتلكون أسلحة متطورة وسيارات كبيرة مخصصة للغرض، ولديهم مجموعات في كل الأماكن تحميهم بمقابل مادي، فالحدود التي تدخل منها البضائع المهربة غير مؤمنة ومنهارة ولا يوجد لا رقيب ولا حسيب على هذه العمليات".
وبخصوص انخراط عناصر تنظيم القاعدة في عمليات التهريب، أكد أن "القاعدة متواجدة في الجنوب ولا شك أن هناك تعاونا بينها وبين المهربين لأن مصالحهم لا تتعارض، وهي واحدة والكل يعمل ويستفيد."
وبعد سقوط نظام القذافي وانهيار نظام الحدود، حاولت بعض القبائل في الجنوب خاصة قبائل التبو والطوارق أن تحل محل أجهزة الأمن وتقوم بتأمين المنطقة، غير أن نقص المعدات والتجهيزات لديها وغياب الدعم من السلطات ومحدودية خبرة عناصرها في القتال جعلها تعجز عن القيام بهذه المهمة لتخرج الأوضاع عن سيطرتها لصالح المهربين، حتى التجأ البعض منها للانخراط ضمنها والعمل معها خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية وغياب فرص العمل.