تقارير

وتيرة المعركة في وول ستريت تهدأ بين كبار المضاربين

بوابة إفريقيا الاقتصادية

هدأت كثيراً وتيرة المعركة في «وول ستريت» بين كبار المضاربين مُمثلين في مالكي صناديق التحوط من جانب وصغار المستثمرين في الأسهم من جانب آخر، بعد أن فقد سهم شركة «جيم ستوب» لألعاب الفيديو، والتي كانت المادة الأولى للمعركة وهي التي أشعلت وطيسها، ما يتجاوز 65% من قيمته في تداولات أمس وأول أمس فقط.

وبحسب ما ذكرته «سي إن بي سي» في تقرير، لم يقتصر التراجع في أسعار الأسهم على «جيم ستوب» فحسب، وإنما امتد ليشمل أسهم شركات أخرى، كانت المعركة قد امتدت إليها أيضاً. ومن أبرز هذه الشركات «ايه إم سي» للخدمات الترفيهية ودور العرض السينمائي، والتي تمتلك أكبر سلسلة دور عرض سينمائي على مستوى العالم، سلسلة متاجر التجزئة «بيد باث اند بيوند» المتخصصة في بيع البضائع المحلية، «اكسبريس» لأزياء الشباب وغيرها.

وكانت «جيم ستوب» تحديداً قد أطلقت شرارة هذه المعركة يوم الثلاثاء الماضي عندما تعمد صغار المستثمرين في «وول ستريت» شراء أسهمها في إقبال هائل ليرفعوا أسهمها بنسبة ناهزت 70% في غضون ساعات قليلة من بدء التداولات، فيما تجاوزت قيمتها السوقية 10 مليارات دولار وبذلك أفسد المستثمرون الصغار الخطة التي كانت صناديق التحوط تعتزم تنفيذها حيال «جيم ستوب»، وهي خفض أسعار أسهمها، ثم رد قيمة الأسهم بأسعار منخفضة إلى شركات الوساطة في بيع الأسهم.

واعتادت صناديق التحوط هذه الممارسة والمعروفة باسم «البيع ع المكشوف» وتعني اقتراض أسهم شركات معينة بسعر منخفض من شركات الوساطة، على أمل أن تنخفض أسعار هذه الأسهم بأقل من سعر الاقتراض، فترد الصناديق ما اقترضته إلى شركات الوساطة بأسعار منخفضة، لتستفيد من فارق السعر.

ولطالما جنت صناديق التحوط أرباحاً طائلة من عمليات البيع على المكشوف، وكانت تمني أنفسها بتكرار العملية مع أسهم «جيم ستوب»، إلا أن المستثمرين الصغار كان لهم رأي آخر ونفذوه عملياً يوم الثلاثاء الماضي ورفعوا أسهم الشركة، لتجد صناديق التحوط أنفسها في مواجهة كارثة بعد أن كانت تمني نفسها بأرباح طائلة جديدة، حيث أدى الارتفاع الجنوني في أسهم «جيم ستوب» إلى جعل مراكز هذه الصناديق مكشوفة أمام شركات الوساطة، حيث لم تعد قادرة أن ترد إليها أسهم «جيم ستوب» بهذه الأسعار الخرافية.

وعمد صغار المستثمرين، والذين باتوا يُعرفون باسم «مُجتمع ريديت»، في إشارة إلى موقع «ريديت» الشبكي الأمريكي الذي يستضيفهم منصاتهم، إلى تكرار هذه المغامرة الجريئة، خلال الأيام التالية لملحمة «جيم ستوب»، مع شركات أخرى كانت صناديق التحوط تستهدفها وتتوقع انخفاض أسهمها، ومنها «ايه إم سي»، «اكسبريس»، وغيرهما.

وتُعد «وول ستريت بتس» أشهر منصات صغار المستثمرين الآن، كما تُعد كذلك من أبرز أعضاء «مُجتَمع ريديت»، كونها تحديداً هي التي قامت بشراء أسهم «مُجتَمع ريديت»، فأطلقت هذا الارتفاع الخرافي في سعرها.

ويؤيد كريس مورفي، الرئيس المشارك لاستراتيجية مشتقات الأسهم لدى مجموعة «ساسكويهانا» الأمريكية للخدمات المالية، الرأي القائل بأن نهاية اللعبة قد أوشكت.

وقال مورفي: «بات المعروض للبيع من أسهم تلك الشركات أكثر من طلبات شرائها، وثمة تراجع في مستوى التقلب ويشر ذلك إلى تدفق منصات «مُجتَمع ريديت» صوب خيارات أخرى، كالفضة على سبيل المثال. وهي قطعاً علامات تؤكد بلوغ «جيم ستوب» ذروتها».

وفقد سهم «جيم ستوب» اليوم 35% أخرى من قيمته، تُضاف إلى الــ 30% التي فقدها أمس، ليصبح مجموع الخسائر في يومين فقط 65%. وجرى التداول أمس على 37 مليون سهم فقط من أسهم الشركة، بالمقارنة مع ما يقرب من 200 مليون سهم جرى تداولها يوم الخميس قبل الماضي.

ويبدو جلياً أن العديد من أعضاء «مُجتَمع ريديت» صنع الأرباح من مضاربته على أسهم «جيم ستوب»، «ايه إم سي»، «اكسبريس»، وغيرها طوال الأسبوع الماضي ثم انصرف.

ويرى دان إيغان، المدير الإداري للتمويل السلوكي والاستثمار لدى «بيترمنت» الأمريكية للخدمات المالية، أنه بات من الصعوبة الشديدة بمكان إيجاد جنود جدد من المستثمرين الصغار لمواصلة معركة شراء الأسهم مع صناديق التحوط.

وقال ايغان: «يشتهي العقل البشري التحفيز من خلال التغيير. ومن أهم التحديات الحقيقية التي يواجهها صغار المستثمرين لاستمرار معركتهم هو احتياجهم لإبقاء أنفسهم في دائرة الانتباه بفعل المزيد والمزيد من الأشياء غير التقليدية. وهو أمر صعب حقاً، إذ يتجزأ الانتباه ويُوزّع على أشياء أخرى قد تظهر. لذا، فقد تتوجه صوب الفضة، السلع، وما إلى ذلك».

وأوضح إيغان أن المشكلة الحقيقية هنا تكمن في عدم وجود لجنة استثمارية، فحتى عندما بدأت المعركة تنتقل إلى الفضة، انقسم النقاش إلى مجموعات تؤيد المعركة ومجموعات أخرى ترفضها، وهنا تحديداً يبدأ الانتباه في التشتت.

وأضاف: «يعتقد الكثير من الناس أن ما يحدث يعد تغييراً هائلاً في آليات عمل السوق، ولكن طالما استطاع مجموعة من المستثمرين أن يركزوا انتباههم على سهم واحد بعينه، فيمكنهم تحريكه، وسيتكرر الأمر مجدداً. ولكنه سيصبح أكثر صعوبة، ذلك أن الناس بدأوا يفهمون أن الأمر أشبه بهوس، أو ربما هي «خطة بونزي»، إذ يتعين عليك دخول السوق في الوقت المناسب والخروج منه في الوقت المناسب. وبمجرد فقدان القدرة على توجيه انتباه الجميع صوب نفس السهم، تنخفض القدرة على رفع السعر».

ولكن هل تشتيت الانتباه من سهم واحد إلى عدة أسهم يعني تضاؤل تأثير «مُجتَمع ريديت»، أم تحوله صوب فكرة جديدة تثير اهتمام مجموعة كافية من الناس لصُنع تأثير؟ وإذا كانت الفكرة الجديدة هي الفضة، فهي خيار سيئ تماماً، ذلك أن تأثير «مُجتَمع ريديت» في سعرها كان أدنى كثيراً من تأثيره في سعر «جيم ستوب» وكذلك أقصر أجلاً.

ويرى إيغان مشكلة أخرى شديدة الأهمية لدى «مُجتَمع ريديت»، وهي افتقادهم للقيادة. وقال ايغان: «أعتقد أن لديهم بعض الأشخاص الذين يمكنك اعتبارهم قادة، لكنهم ليسوا هناك بالضرورة كي يقودوا. إنهم قادة بالصدفة. هم أيضاً يفتقدون الإحساس بالخوف من فوات حدث مهم «أو ما يُعرف باسم فومو»، والذي يُعد محركاً مهماً للأسعار. وبالتالي، فسيساعد هذا الفقدان أيضاً في تضاؤل تأثيرهم».

وأخيراً، فإن الانتباه الهائل الذي استأثر به أفراد «مُجتَمع ريديت» خلال الأسبوع الماضي يعني أن «وول ستريت» تدرك جيداً ما يفعلونه.

وقال ايغان: «إن أفراد «مُجتَمع ريديت» في نهاية الأمر من الجمهور، وقدرتهم على استقطاب المزيد من الناس وتركيز انتباههم تعتمد على كونهم من الجمهور. إلا أن هذا يعني أيضاً أن الفرد منهم قد يكون محللاً يعمل في بنك، أي أن رسائلهم التي يتبادلونها عبر «ريديت» قد يقرأها المرء في تحليل لأداء الأسهم على الموقع الشبكي لأي بنك. لذا، فإن القدرة على صُنع المفاجأة قد تضاءلت كثيراً بعد أن حدثت للمرة الأولى».

وماذا يعني كل ذلك؟ يقول مورفي: «يعني على الأرجح العودة إلى السيرة الأولى».

وأضاف: «نهاية اللعبة هي أن «جيم ستوب» عادت إلى مستوى أكثر واقعية».

المرصد
الأسبوع