أسواق عالمية

تركيا على وشك الانهيار الاقتصادي بسبب سياسات أردوغان

بوابة إفريقيا الاقتصادية

الأزمة الحالية ليست وليدة اللحظة، لكنها عملياً نتيجة لسياسات إدارة أردوغان، على المستويين السياسي والاقتصادي. لقد توفرت أسباب موضوعية داخلياً وخارجياً أثّرت سلباً على الاقتصاد التركي وقادته إلى حافة الانهيار، فمنذ وصول رئيس النظام التركي كرئيس وزراء في العام 2003 إلى 2014 ثم رئيساً لتركيا منذ العام 2014 وحتى كتابة هذه الكلمات وطموحاته لم يعد يحملها رأسه بدءاً من إحياء أحلامه "العثمانية" و"سلطة الباب العالي" و"ديوان أمير المسلمين" وآخرها "المرشد العام للإخوان المسلمين في العالم"... من الحرب العدوانية على سورية إلى محاولة تفتيت ليبيا، مروراً بتأجيج الأوضاع في البحر الأبيض المتوسط وإثارة المشاكل والصراعات مع اليونان، وصولاً إلى التدخل في النزاع الأرميني الأذربيجاني وتأجيجه، وانتهاء بالبحث عن قواعد لمرتزقته في أواسط أفريقيا وعلى سواحلها الشرقية، يحول نظام أردوغان الأخواني نظريته المزعومة "صفر مشاكل" إلى عشرات الأزمات والمشاكل والصراعات والحروب، ليس مع الدول المجاورة فقط بل مع شعبه نفسه، ناسفاً الأمن الإقليمي وحتى الداخلي التركي، ومعرضاً المنطقة برمتها لمخاطر تؤدي إلى توتير الأمن العالمي ونسف قواعد السلم الدولي برمته.

لقد أصبح الاقتصاد التركي يعاني من أزمة متفاقمة وتدهور مستمر، تجلّت مظاهره بوضوح من خلال تواصل هبوط قيمة الليرة التركية، وعجز في ميزان المعاملات التجارية، وزيادة الديون الخارجية، وخفض التصنيف الائتماني، وانخفاض الدخل السياحي وخروج الأموال. ويتحمّل رئيس النظام التركي أردوغان مسؤولية كاملة عن سلسلة الأزمات التي تتعرّض لها البلاد بسبب التخبّط والنكسات السياسية المتتالية، وذلك بالتزامن مع تعرّض السياسة الخارجية التركية لهزات في أكثر من ملف، فضلاً عن تأثيرات جائحة كورونا على الاقتصاد التركي. ويبدو أن تركيا التي كانت لسنوات من أكثر الاقتصادات تسارعاً في النمو على مستوى العالم، جاء الوقت لكي تدفع ثمن هذا النمو الذي اعتمد في المقام الأول على الاقتراض بالعملة الأجنبية من الخارج، وهو ما يعرف اصطلاحاً بنموذج "النمو المدفوع بالديون".

فمؤشرات تداعي الاقتصاد التركي لم تقف فقط عند انحدار العملة المحلية إلى أسوأ مستوى لها، حيث أنفقت الحكومة التركية زهاء 101 مليار دولار، خلال العام الجاري، لمنع انهيار الليرة أمام العملات الأجنبية، بل حتى الديون الخارجية للبلاد قد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، فيما أغلقت أكثر من 10 آلاف شركة أبوابها منذ بداية العام الجاري. وقدرت وسائل إعلامية تركية ديون تركيا الخارجية بـ 1.9 تريليون ليرة خلال 18 عاماً من حكم حزب "العدالة والتنمية" وذلك بعدما كانت تقدر بـ 243 مليار ليرة فقط عام 2002 الذي تولى فيه الحزب حكم تركيا. ومن بين هذه الديون 817.9 مليار ليرة من فئة الليرة التركية وتريليون و44 مليار ليرة من فئة العملات الأجنبية. واللافت في التقرير الذي أعده حزب الشعب الجمهوري المعارض هو الاقتراض الجنوني لحكومة حزب "العدالة والتنمية"، حيث يعكس التقرير ارتفاع نسبة الدّين العام للدخل القومي إلى 42 بالمائة. وأضاف التقرير: إن الحكومة التركية اقترضت ما يقارب نصف تريليون ليرة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، مفيداً بأن الدين العام لتركيا بلغ 7 أضعاف ما كان عليه خلال 18 عاماً من حكم "العدالة والتنمية".

وقد أدت النتائج السلبية إلى انتقادات شديدة بحق وزير الخزانة والمالية التركي بيرات البيرق، صهر رئيس النظام التركي رجب أردوغان، وفي هذا السياق، حذر عضو المجلس الاستشاري الأعلى للرئاسة التركية، بولنت أرينتش، السبت 07/11/2020 وزير المالية من الوضع الاقتصادي الذي تشهده تركيا في الوقت الراهن. وقال في حديث لقناة 42 التركية ردا على تصريحات وزير الخزانة والمالية التي اعتبر فيها أنه لا توجد أي مشكلة في الاقتصاد وهذا أمر نفسي: "هناك بالتأكيد مشاكل في الاقتصاد". وأضاف متعجباً من تصريحات البيرق: حتى وزيرنا ليس لديه مشاكل في الاقتصاد! لقد عارضت كلامه هذا، وتساءل: ما هو الشيء النفسي؟! نرى جميعا الصعوبات المالية في البلاد، من المهم عدم إنكار المشكلة، بل حلها.

ويذكر أن سياسة أردوغان الاقتصادية والمالية تواجه انتقادات مستمرة من قبل المعارضة التركية، حيث تتعالى الأصوات التي تتهم البيرق صهر أردوغان، بالفشل في تحسين الوضع الاقتصادي التركي. وفي هذا السياق، ندّد رئيس تكتل نواب حزب الشعب الجمهوري المعارض في البرلمان التركي انجين أوزكوتش بتصريحات رئيس النظام التركي رجب أردوغان عن الاقتصاد التركي، مؤكداً أنها مخالفة للواقع. ونقلت صحيفة زمان التركية عن اوزكوتش قوله اليوم: إن أردوغان يصدق الأرقام التي يعلنها صهره وزير المالية بيرات البيرق، المنفصل عن الشعب والواقع، ويعتقد أن اقتصاد البلاد جيد ولكن الحقيقة، هي أن المواطن جائع وعاطل عن العمل ومديون، ويواجه فيروس كورونا بيأس.

وبدورها حذرت رئيسة حزب "الخير" المعارض في تركيا، ميرال أكشنار، من أن معدلات البطالة تتضاعف في البلاد وصغار التجار يُسحقون، تحت ضغط الأزمة الاقتصادية. ونقلت صحيفة "زمان" التركية المعارضة، عن أكشنار قولها: طنجرة الاقتصاد المضغوطة تهزّ أركان نظام حزب "العدالة والتنمية"! ... هؤلاء سيرحلون قريباً. وفي وقت سابق قال داوود أوغلو زعيم "حزب المستقبل" إن رئيس البلاد رجب طيب أردوغان وأسرته هم أكبر "مصيبة حلت على شعبنا".

ويرى مراقبون أن العام 2015 كان فاصلاً بالنسبة للاقتصاد التركي، ففيه بدأ الاقتصاد يدخل مرحلة انكماش شديدة، أي بالضبط في نفس السنة التي غيّر فيها أردوغان طبيعة النظام السياسي في بلاده، من برلماني إلى رئاسي، ليتفرد بحكم البلاد، ويحولها إلى دولة ساعية "للهيمنة" بالقوة على محيطها السياسي والجغرافي. فتركيا خرجت بشكل واضح عن التفاهمات الإقليمية والدولية، وبالذات مع الولايات المتحدة، الأمر الذي أدى إلى تراجع عملتها التي خسرت قرابة 40 بالمائة من قيمتها خلال عام 2018، ثم تبعتها حالات التمرد التركية على الحلفاء التقليديين، عبر انخراط أنقرة في قضايا إقليمية ودولية مختلفة، عبر استخدام القوة العسكرية والهيمنة عبر حيل سياسية ونشر الجماعات المتطرفة والمرتزقة ما راكم من أتعاب الاقتصاد التركي الهش أساساً.

ومن المنطقي أن يخلق الانهيار الاقتصادي حالة من الاستياء والغضب بين المجتمع التركي، الذي من المرجّح أن يحمّل مسؤولية ذلك إلى الحزب الحاكم، بما يؤدي إلى تراجع شعبية قياداته، ومن المؤكد أنّ نزيف العدالة والتنمية سيتواصل في الفترة المقبلة، ويصعب التنبؤ بالظروف والتوقيت التي ستتوجه تركيا في ظلها لإجراء الانتخابات العامة في عام 2023، إلا أن الظروف الحالية تدل على أن فوز حزب أردوغان بات خارجاً عن دائرة الاحتمال. وهنا يواجه حزب أردوغان، الذي يعيش منذ نحو سنتين على وقع انشقاقات في صفوف أبرز مؤسسيه وقياداته رفضاً لسياسات الحزب التي لا تتماشى مع احتياجات تركياً اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، شبح الخسارة والانتكاسة في الانتخابات القادمة.

يذكر أن أردوغان خسر في الانتخابات البلدية لعام 2019 أبرز معاقله في أنقرة واسطنبول، ما يعكس تراجع شعبية أردوغان في أول اختبار حقيقي يسبق الانتخابات البرلمانية، ونالت المصاعب الاقتصادية التي توسعت عقب انهيار الليرة من قاعدة تأييد أردوغان، ومن شأن تآكل شعبية الرئيس التركي، ولو كانت قليلة أن تضر بحزب العدالة والتنمية، ويعزز فرضية اتجاه الحزب التركي الحاكم نحو الانتكاسة في انتخابات 2023، ظهور أحزاب جديدة منافسة تقودها أبرز القيادات المنشقة عن العدالة والتنمية، أمثال نائب رئيس الوزراء التركي السابق علي باباجان، ورئيس وزراء تركيا السابق أحمد داود أوغلو

الذي كان في وقت ما أقرب حليف لأردوغان، فقد أعلن بدوره في تشرين الثاني الماضي حزبه المنافس في الانتخابات المرتقبة. ويؤدي هذا إلى تآكل حزب العدالة والتنمية أمام سعي المنشقين عنه لتصحيح المسار السياسي ولتشكيل جبهة سياسية منافسة للحزب الحاكم والقطع مع سياسات أساءت لتركيا سياسياً واقتصادياً.

خلاصة الكلام: مع تآكل الأردوغانية السياسية، ومخاطر تفاقم الأزمة الاقتصادية، فإن أردوغان يدرك ذلك جيداً، الأمر الذي يفسر اندفاعه نحو الهروب الدائم إلى الأمام عبر الأيديولوجيا بل والانزلاق نحو التطرف فيها... هذا الهروب إلى الأمام يشير إلى واقع مأزوم، وعندما تفرض متطلبات البقاء أثماناً تفوق قدرات ركائز المسيرة عندها يبدأ الولوج إلى المستنقع. قبيل أن يموت أي كائن ومن أي نوع كان، بما فيها الكيانات السياسية، تظهر علامات دالة على موته، والتطرف الأيديولوجي، أياً يكن نوعه يسارياً كان أم يمينياً، كان يمثل على الدوام مؤشراً على انحسار موجة التيارات التي ينتمي إليها، ومثلما كانت ظاهرة "بول بوت" في كمبوديا (1975-1979) نذيراً لانهيارات محتمله للفكر اليساري والاشتراكي، ومثلما كان بروز ظاهرة داعش (2013-2019) إيذاناً بغروب شمس الإسلام السياسي، فإن تطرف أردوغان الدال على واقع مأزوم هو إيذان بغروب شمس التيار الذي يحكم تركيا.

كاتب صحفي من المغرب.

المرصد
الأسبوع