تقارير

كورونا يحيل ألاف التجار التونسيين مع ليبيا على البطالة

بوابة إفريقيا الاقتصادية

بين ليبيا وتونس تاريخ طويل من المبادلات التجارية الرسميّة والموازية. خلال عشرات السنين كانت الحدود التونسية الليبية مورد رزق لملايين الناس بين البلدين بشكل مباشر وغير مباشر. منذ سنوات الاستقلال وحتى في أعقد سنوات الاضطراب السياسي لم تتوقف المبادلات التجارية إلا في حالات نادرة يكون فيها للخلاف السياسي أو الوضع الأمني دور فيها. لكن ما حصل خلال الفترة الأخيرة بسبب فيروس كورونا ربما يكون استثناء في غلق الحدود نهائيا حيث توقفت الحركة إلا من الحالات الخاصة للعائدين في الجانبين وعرفت الحالة الاقتصادية ركودا غير مسبوق جعل مئات المواطنين عاطلين وغير قادرين على توفير أرزاقهم خاصة من الجانب التونسي.

مدينتا ذهيبة وبنقردان التونسيتان مثالان واضحان عن تأثير إغلاق الحدود بين ليبيا وتونس. فجأة يجد التجار فيهما في وضع غير طبيعي مجبرين على التزام بيوتهم منتظرين فرجا قد يأتي وقد لا يأتي والسبب في ذلك فيروس كورونا الذي خلق وضعا جدا في العالم، وفرض إجراءات قاسية أوقفت كل إمكانيات للتحرك بين البلدين، ليجد الألاف أنفسهم عاطلين ينتظرون إعانات من الدولة قد لا تسعفهم الظروف للحصول عليها.

محمّد علي وجهاد، صديقان عشرينيان من مدينة بنقردان، (اسمان مستعاران بطلب منهما) يجلسان مساء كل يوم رمضاني في حيهم يلعبان الورق في وضع يشبههم فيه ألاف الشبان. في لقاء لبوابة إفريقيا معهما قالا إنهما انقطعا مبكرا عن الدراسة ولم يجدا حلا إلا في ليبيا التي فتحت لهما باب رزق يعيلان به أنفسهما وعائلاتهما. قبل أن يبلغا سن العشرين بدآ العمل في تجارة البنزين من ليبيا. وهذا الحل هو الوحيد تقريبا لشبان بنقردان، فالدولة لم توفر لهم شغلا ولا مدينتهم بها مصانع أو مواقع عمل تعوّضهم عن الذهاب إلى ليبيا.

يقول محمّد علي إنه كبر والأحداث في ليبيا مضطربة بعد تحولات 2011، ورغم تخوفات عائلته في البداية، لكن عندما وجد نفسه عاطلا عن العمل لم يكن أمامه إلا التوجه نحو ليبيا للعمل، فكر في الكثير من المرات في الاستقرار فيها للعمل في أحد المحلات أو المزارع لكن باعتباره وحيد عائلته فكان خياره أن يشتري سيارة ويشتغل عبرها في تجارة البنزين مع بعض الأواني القليلة ليحقق حاجته اليوم له ولعائلته، وعلى الرغم من أنه عاش بعض فترات الإغلاق في السابق لكن ما فرضته كورونا يعتبر استثناء، حيث يجلس اليوم لحوالي شهرين بلا شغل وينتظر في أقرب فرصة لفتح الحدود والعودة إلى نشاطه.

نفس الشهادة المشابهة لصديقه الذي قال إنه لم يتعوّد على مثل هذه الظروف، ففي السابق كانت ليبيا فاتحة لأرزاق الكثير من الشبان مثله، لكن اليوم الوضع مختلف، فقد تراكمت عليه الديون ووجد نفسه محرجا أمام عائلته، لكنه يسعى للتصرّف بكل الطرق إلى أن تعود الأمور إلى طبيعتها رغم أن المؤشرات لا تنبئ بقرب فتح المعابر.

الإشكال في أزمة كورونا أنها لم تؤثر في محمد وصديقه وغيرهما من الشبان، بل التأثير طال حتى المبادلات التي تدخل في خانة ما هو رسمي، بعد توقف الشاحنات لفترة قاربت الشهرين، ومعروف أن عديد المصانع الغذائية كانت تخصص جزءا من إنتاجها للسوق الليبية لكن بعد إغلاق الحدود تراجعت قيمة مبادلاتها بشكل كبير، وبعضها طالب حتى السلطات الرسمية بضرورة إيجاد حل لهذا الإشكال باعتبارها تشغل أيضا عشرات وربما مئات اليد العاملة.

والمؤكد أن ما تعيشه مدينة بنقردان وشبابها هو نفس ما تعيشه مدينة ذهيبة التي تعيش بدورها على تجارة الحدود وهو ما تعيشه عديد المدن الأخرى المرتبطة هي أيضا بالسوق الليبية. وإغلاق الحدود يعني آليا ألاف العاطلين عن العمل بما يجعل الحكومة التونسية في وضع لا تحسد عليه ولن تنجح الإجراءات الاجتماعية بالتأكيد في حل المشكل.

وفي خطوة لتخفيف الركود الذي أصاب الحركة التجارية عبر الحدود تم استحداث خط بحري رابط بين ميناء صفاقس التونسي وطرابلس الليبية لأجل عبور السلع واحتياجات السوق الليبية، لكن يبقى نسقه ضعيفا ولا يحل إشكالا كبيرا. لكن الخطوة الحكومية ورغم إيجادها لحل ظرفي لكن يبقى لفائدة شركات كبرى يمكنها مواجهة طوارئ الفيروس عكس المواطن البسيط الذي يبقى المتضرر الأساسي من عملية الإغلاق في انتظار ما ستؤول إليه الأمور خلال الأسابيع المقبلة.

معبر رأس اجدير تونس ليبيا التجارة الموازية
المرصد
الأسبوع