تقارير

تجارة البشر في طرابلس... اقتصاد خارج الدولة و”الوفاق” بعين العاجز

أرشيف
أرشيف

لم يكن الشاب الصومالي محمد يعتقد عندما غادر بلاده، أن يجد نفسه بين أسوار مستودعات كبيرة لاحتجاز البشر في طرابلس، بعد حلم الهجرة والثروة في أوروبا. من سواحل الصومال إلى صعوبة الرحلة نحو عدن اليمنية إلى مخاطر العبور نحو السودان ينتهي المطاف بمحمد في طرابلس بين الألاف من المهاجرين الذين تتلاعب بهم مافيات التهريب ممارسة ضدّهم كل أنواع التمييز والاستغلال.

لم يعد ممكنا الحديث عن تجارة البشر في ليبيا خارج دائرة الاقتصاد. العملية منذ العام 2011 وبعد انفلات الأوضاع، أصبحت أشبه بالسوق التي تتحكم فيها المليشيات المسلحة. أسماء جديدة صعدت وحققت لنفسها نفوذا كبيرا، وأرقام خيالية سجلت في حساباتها لتصبح ضمن قائمة الأثرياء، دون أخذ في الاعتبار للجانب الإنساني ولتوصيات المنظمات المحلية والدولية.

في تقرير استقصائي نشرته مجلة فايننشل تايمز البريطانية تتبعا لحركة تهريب البشر نحو ليبيا، وردت قصة الشاب الصومالي ذي الـ23 عاما. هو والألاف غيره بقوا يحلمون بأن يكونوا يوما في أوروبا هروبا من جحيم الحروب والفقر، لكن التقرير أشار إلى أن خطواتهم ما هي إلا رحلة نحو الجحيم والمأساة بسبب وقوعهم تحت رحمة عصابات لا ترى فيهم إلا مئات الدولارات التي تستثري بها.

غادر محمد ميناء بوساسو في الصومال عبر أحد المهرّبين. دفع 110 دولارات وتم وضعه على متن قارب متجه نحو محافظة عدن اليمنية. لا أحد يقدّر حجم المخاطر في تلك الرحلة نحو بلد بدوره لغة السلاح فيه تغلب أي لغة أخرى ومظاهر الدولة أشبه بالغائبة. في عدن احتجز الشاب الصومالي لمدّة أربعة أشهر قبل أن يسعفه الحظ ليجد نفسه متجها نحو السودان بعد وعد من المهرّبين بأنه سيكون قريبا في أوروبا بمبلغ 1000 دولار بمجرّد وصوله إلى ليبيا بوابة أفريقيا نحو إيطاليا ليتفاجأ بعدها أن الرحلة تتطلب 5000 ألاف دولار إضافة إلى مفاجآت أخرى مأساوية.

وفي الإطار نفسه ومن خلال تصريح للموقع البريطاني، قال ليام كيلي، المدير الإقليمي لمجلس اللاجئين الدنماركي في طرابلس، إن المهاجرين أصبحوا أصولًا مدرة للدخل ويوفرون الكثير من الأموال للملشيات المسلحة، مشيرا إلى أن حكومة الوفاق رهينة لها ولا تسيطر على شيء في طرابلس.

كما ذكرت "الفايننشل تايمز" أن "المكان الذي احتجز فيه محمد، يديره المهرّبون والعصابات. حكومة الوفاق التي تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس لا تأثير لها فعليّا. فالمراكز "الرسمية"، التي يوجد فيها أكثر من عشرة مقرات تضم ما بين 3000 إلى 5000 مهاجر، كلها تحت سيطرة الميليشيات وفي ظروف صعبة".

ربما لم يكن التقرير البريطاني الذي قام به موفد المجلة في الشرق الأوسط، "أندري أنجلد"، أول ما كتب حول تجارة البشر نحو ليبيا، لكن التقرير اختار فردا قادما من الصومال لتكون قصته مثالا على كثيرين غيره. في الواقع الكاتب اختار تسمية محمد استعارة تجنيبا لأي خطر قد يحصل له من قبل محتجزيه في طرابلس.

عاد التقرير الذي أشار إلى أن تجارة البشر أصبحت جزءًا من اقتصاد حرب مزدهر، إلى شهادة محمد الصومالي وكيف طالب محتجزوه بمبلغ 3000 ألاف دولار كفدية لإطلاق سراحه وإرساله إلى أوروبا، وكيف يتم الاتصال بعائلته في الصومال بطريقة مهينة لإجبارها على توفير المبلغ وهو ما تم بعد ذلك بعد مجهودات كبيرة من الأقارب، مضيفا أن العملية نفسها تتم على كل من معه في مراكز الاحتجاز، بما يعني أن المهرّبين يعتمدون هذه الطريقة بشكل أشبه بالسوق أو العملية التجارية المربحة دون مراعاة لأي قيمة إنسانية.

لم ينته حلم محمد كما حلم من معه في أوروبا، حتى المحاولة التي قام بها قبل عامين فشلت وانقلب القارب الذي أقله ومات في الرحلة من مات ونجا من نجا وهو منهم، وأمواله التي وفرها ووفرها له أهله لم تحقق له حلمه وعاد مجددا إلى مركز إيواء تابع للأمم المتحدة، وسط تقاير تشير إلى أنه أيضا مركز لا يتوفّر على ظروف مناسبة للعيش لوجودها قرب ثكنات المسلحين ومواقع المواجهات التي لا تتوقف في طرابلس.

اللاجئون في ليبيا المهاجرون في ليبيا طرابلس حكومة الةفاق الأمم المتحدة تجارة البشر
المرصد
الأسبوع