تقارير

بعد التأخر عن مساعدة إيطاليا.... أزمة كورونا تهدد وحدة أوروبا

بوابة إفريقيا الاقتصادية

لا يعيش الاتحاد الأوروبي هذه الفترة أفضل أيامه. أزمة كورونا عرّت جزءا من وهم التكامل الأوروبي والدفاع والاقتصاد المشتركين. فجأة في لحظة اضطراب رفع الجميع شار "نفسي نفسي" وانتهت لغة الوحدة التي لطالما انبهرت بها شعوب ولطالما كانت صمام أمان اقتصادي ومالي وسياسي أمام العالم، ووجدت روما السند في عواصم أخرى من خلال مساعدات من الصين وروسيا وحتى كوبا البعيدة في النصف الآخر من الأرض.

في امتحان كورونا وجدت إيطاليا وحدها تصارع أزمة كادت تعصف ببلد لطالما كان مفخرة أوروبا ومخزونها التاريخي والمعماري والسياسي. روما التي سجلت في كل معاجم الشعوب بملاحمها واجهت لوحدها منفردة مثلما كانت دائما عبر التاريخ. لا الجارة فرنسا الأقرب لها في الجغرافيا والنفسية والطباع كانت سندا لها في محنتها، ولا القوى ذات النفوذ الاقتصادي أحست بحجم الصعوبات التي وجد الإيطاليون أنفسهم فيها، لتنكشف للناس وللإيطاليين أنفسهم فكرة الاتحاد بصورته الوردية التي تمتلك اقتصادا قويا وروحا ثابتة في النظام والتضامن.

لمدة قاربت الشهر ونداءات الاستغاثة كانت تطلق من روما مباشرة أو تلميحا بأن أسرعوا لنا لنخرج مما وقعنا فيه، لكن لا حياة لمن تنادي، الجميع فكروا في أنفسهم خوفا وأنانية. الأزمة صحيح مرعبة وأثارها كبيرة، والكتل التاريخية بنيت أساسا لمثل هذه الظروف لكن الاتحاد الأوروبي لم يكافئ إيطاليا على أساس تلك القاعدة، لتفتح مجموعة من الأسئلة عن حقيقة تماسك هذا الكيان القوي، من بينها الشعور "المتزايد بين النخبة المؤيدة لأوروبا في الداخل بأن إيطاليا يتم التخلي عنها من قبل جيرانها، وفي ذلك يقول كارلوا كالندا، الذي يقود حزب العمل الليبرالي ويعتبر من أكثر المؤيدين لفكرة الاتحاد الأوروبي: "يحدث تحول هائل في إيطاليا. لديك الآلاف من المؤيدين لأوروبا ينتقلون إلى هذا الموقف".

في بداية أزمة الإيطاليين مع كورونا ظهر فيديو إيطالي غاضب من حالة الإنكار الأوريوبية لبلادهم. الفيديو على لسان المتحدثة فيه يقول "شكرا سيد ماكرون، شكرا سيدة ميركل، شكرا لأنكم تخليتم عنا وقت حاجتنا، شكرا لرفضكم إمكانية منحنا حتى كمامات بسيطة وأشياء أخرى لمساعدتنا على مقاومة انتشار الفيروس.. كم ستدفع لكم ثمنها فى المقابل..كما تعلمون؟ نحن الإيطاليون الذين تصفونهم بالمتسخين وغير المهذبين.. أهل الهمجية والوضاعة الفقراء وأحيانا مجرمى عصابات.. لكننا نذكركم أيضا بأننا أول من شد الطرق والمدارس، نحن من علمكم الأبجدية التى تستخدمونها، وشرحنا لكم القانون والحقوق وتنظيم الدولة ودولة القانون، نحن الإيطاليون أصحاب التحف الفنية وأصحاب المخطوطات التى تدرسونها والإرشادات التى تتبعونها، وأولئك الذين يمتلكون 70% من التراث الفنى والثقافى العالمى." وهو رسالة قاسية عن الجحود وعدم الاعتراف بالمعروف وبحقيقة التاريخ.

كما قال وزير الخارجية الايطالي لويجي دي مايو، نهاية مارس الماضي، منتقدا السياسات الأوروبية تجاه بلاده خلال الأزمة، "بأن بلاده تواجه حالة الطوارئ صحية - اقتصادية ناجمة عن وباء فيروس كورونا، وأنها "تنتظر ولاء من شركائها الأوروبيين وكلمة الولاء لها وزن مهم بالنسبة لنا، ونتوقع من أوروبا أن تؤدي دورها".".

الغضب الإيطالي أعاد الوعي إلى قادة الاتحاد بشكل متأخر عندما عبرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين عن اعتذارها لروما قائلة: «لم يمدّ أحد يد العون إلى إيطاليا عندما كانت بأمسّ الحاجة إلى المساعدة، ولهذا أعتذر من إيطاليا باسم جميع الأوروبيين»، مضيفة أن «تفشّي فيروس كورونا باغت دول الاتحاد، التي لم تكن مستعدة بالقدر الكافي لمواجهة الوباء. علينا قبول هذه الحقيقة».

كما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية ضمن سياسات الترضية واللحاق المتأخر إن الاتحاد "سيخصص حتى 100 مليار يورو للدول الأكثر تضررا بدءا بإيطاليا، للتعويض عن تراجع مداخيل من سيعملون ساعات أقل". بالإضافة بعض القروض الميسرة ضمن سياسة الاتحاد التضامنية.

ربما تنتهي هذه الأزمة دون خطر على الاتحاد الأوروبي ووحدته، وربما ينتهي الغضب الإيطالي الظرفي، لكن المؤكد أن صدمة كورونا ستجل حماسة الأوروبيين وخاصة منهم الأيطاليون تخفت تجاهه في انتظار امتحان قادم قد تكون تبعاته أقسى.

إيطاليا الاتحاد الأوروبي الاقتصاد الايطالي
المرصد
الأسبوع