الاقتصاد الليبي

ليبيا بين الحرب على كورونا والحرب في طرابلس... أي تداعيات على الاقتصاد

بوابة إفريقيا الاقتصادية

لم ينته الجدل حول معركة طرابلس وما لها من تبعات وعن فرضيات حسمها إلى إشكال توقف الإنتاج في الموانئ النفطيّة الليبية الذي فتح منذ فيفري الماضي، وصراع اللاعبين المحليين على ثروة البلاد، ومحدد حياة الناس فيها، حتى دخلت ليبيا مع العالم في صراع آخر أو في حرب جديدة هذه المرة بعنوان واحد ضد عدو غير مكشوف هدف الجميع هو النجاة بكل الطرق الممكنة وبسخير كل الظروف لمواجهته.

ليبيا اليوم تدخل سنتها الأولى على بداية معركة طرابلس. الحرب التي بدأها الجيش الليبي لإنهاء صورة التسليح الفوضوي وحكم المليشيات في بلد هو في أحوج شيء اليوم إلى الاستقرار لاستعادة توازنه السياسي والأمني وخاصة الاقتصادي بعد سنوات التراجع الكبيرة منذ تحولات العام 2011 وإسقاط نظام العقيد معمّر القذافي.

المؤكد أن الأرقام كلها لن تعطي للناس الحقيقة، هي ترجيحات وتحليلات مثل التي نكتبها جميعا، لكن المؤكد أن الاقتصاد الليبي يعيش فترة صعبة قياسا وضع البلاد ككل. كل الظروف لم تسعف هذا البلد الغني على استعادة نفسه. الهدف السياسي طغى على كل شيء فأفسد كل شيء. الجميع يريد القفز إلى الأعلى حتى إن حطّم كل ما تحته. ليس هذا كلام تشاؤم بقدر ما هو جرس تحذير لكل من يعنيهم هذا البلد المحاصر بصراع الأشقاء في مشهد يشعل له إلا النار لمزيد التأزيم والاحتراق.

نهاية العام الماضي نشر البنك الدولي تقريره التقييمي السنوي لاقتصادات بعض الدول خاصة النامية والتي تحتاج مراقبة أكثر. التقييم خلص إلى أن الاقتصاد الليبي يتوقع أن يسجل حالة من الانكماش تبلغ 5.5% بالمئة بسبب المعارك في طرابلس. التقرير خلص كذلك إلى أن البلاد "لا تستطيع إنتاج النفط إلا بمعدل مليون برميل يومياً في المتوسط حتى نهاية هذا العام، وسيتم الإبقاء على الإنتاج حول هذا المستوى خلال السنوات القليلة المقبلة، والذي سيمثل ثلثي القدرات الإنتاجية"، هذا الكلام كان قبل أن تتعقد الحالة أكثر وتتوقف الموانئ على الإنتاج بسبب اجتجاجات أبناء القبائل الرافضين لاستغلال العائدات من قبل حكومة الوفاق لدعم المرتزقة الأجانب ضد الجيش الليبي.

كما أشار التقرير إلى أن "نمو إجمالي الناتج المحلي سيكون سلبياً في 2020 (-0.6%) وسيستقر عند نحو 2% في 2021-2022، موضحا أن ارتفاع إنتاج ليبيا من النفط سيعزز الاحتياطات من العملة الصعبة بقيمة 87.7 مليار دولار". وهي دائما أرقام سبقت تراجع صادرات النفط إلى مستويات قياسية، بما يعني أن فكرة استقرار الناتج المحلي ستكون أكثر سلبية.

مجموعة الأزمات الدولية بدورها قدّمت بياناتها حول الاقتصاد الليبي بعد سنة من الحرب مبينة أن ترتيب ليبيا تراجع إلى المركز الأخير عربيا وما قبل الأخير عالميا (160) من حيث الحرية الاقتصادية وفق تقرير صادر عن معهد فريزر الكندي، وذلك بناء على حجم الإنفاق الحكومي في البلاد وحرية التجارة الدولية. وذكر التقرير أن ليبيا حصلت على هذه المرتبة المتأخرة بناء على عدّة مؤشرات من بينه"ا معدلات الإنفاق الحكومي والضرائب المفروضة والمشروعات التي تقوم بها".

وبعيدا عن تلك التقارير والمؤشرات تكفي النظرة إلى مستقبل الحالة الاقتصادية في ليبيا، ليكتشف المتابع أن الوضع مازال بعيدا عن نقاط الضوء ولا أمل في تحسن أي أرقام، فتراجع إنتاج النفط من أكثر من مليون ونصف المليون برميل يوميا إلى أقل من مئة برميل، وخسارة 4 مليار دولار على الأق، من الأموال بسبب إغلاق الموانئ إلى حدود الأول من أبريل، كلها عوامل مساهمة في تعميق الأزمة رغم أن دعوات كثيرة دولية وإقليمية تنادي بضرورة إيقاف جميع مظاهر التحارب والانطلاق في مسار سياسي سلمي ينهي حالة الانقسام.

عاملان آخران بدورهما جزء من المشكل في الفترة الأخير، الأول هو الصراع المعلن والخفي بين محافظ المصرف المركزي وحكومة الوفاق بما يعني ذلك من تلاعب بمصير مؤسسة سيادية مازال الدينار فيها يعاني ويبحث عن توازنه ولا حل في ذلك إلا فرض القانون والسعي المستعجل لتوحيد إدارته، والعامل الثاني هو فيروس كورونا الذي فاجأ حتى أكبر دول العالم الذي يحتاج تمويلات كبيرة لمواجهته ومن غير الوارد أن ليبيا في واقع الحال قادرة على ذلك بمفردها رغم التطمينات التي تقدّم من حكومتي المنطقتين بأن هناك استعدادا لتوفير كل الاحتياجات بما فيها المالية.

 

المرصد
الأسبوع