تقارير

الجنيه السوداني يتهاوى والحكومة تحاول تطويق الأزمة

بوابة إفريقيا الاقتصادية

وصل الانخفاض في قيمة الجنيه السوداني إلى نحو 25 في المئة حيث يجري تداول الدولار الواحد حاليا في نطاق يتراوح بين 103 إلى 105 جنيهات في السوق الموازي مقارنة بـ 85 جنيها بنهاية 2019 الأمر الذي أدى إلى فوضى عارمة في الأسواق وارتفاع متواصل في أسعار السلع الأساسية وأثار مخاوف كبيرة في أوساط التجار والمستوردين.

وفي الجانب الآخر تسعى الحكومة الانتقالية في السودان للقيام بإصلاحات هيكلية لتطويق الأزمة التي تأتي كنتاج للتراكمات السلبية الكبيرة التي نجمت عن سياسات النظام السابق وسيطرة عناصره على معظم مفاصل الاقتصاد السوداني ومحاولتهم المستمرة لإجهاض الثورة السودانية عبر ورقة الضغط الاقتصادي.

هنالك العديد من الأسباب التي تؤدي للانخفاض الحالي في قيمة الجنيه السوداني من بينها الانخفاض الحاد في الميزان التجاري حيث يزيد حجم الواردات بنحو 3 مليارات دولار عن صادرات البلاد الحقيقية، إضافة إلى المضاربات الكبيرة التي تجري على الدولار في ظل انخفاض المعروض.

وأشار خبراء ورجال أعمال إلى ضرورة الإسراع في وضع وتنفيذ سياسات اقتصادية صارمة تعيد للجنيه عافيته، ومضى بعضهم إلى أبعد من ذلك حيث رأوا ضرورة تغيير العملة الحالية ضمن إصلاحات هيكلية متكاملة وبالشكل الذي يمكن السلطات النقدية في البلاد من السيطرة على الكتلة النقدية وضبط الحسابات المصرفية للتمكن من محاصرة المضاربين الحقيقيين في سوق الصرف.

وقال أحد تجار العملة -المعروفين بـ "السريحين" - في منطقة السوق العربي في الخرطوم لموقع سكاي نيوز عربية، إن هنالك جهات عديدة تنشط في الطلب على الدولار مثل مصدري الذهب وشركات الأدوية وتجار الملبوسات والإلكترونيات والسلع الاستهلاكية إضافة إلى مواطنين عاديين يلجؤون لتحويل موجوداتهم من العملة المحلية إلى عملات صعبة بسبب فقدان الثقة في الجنيه السوداني، لكن الطلب الأكبر يأتي من شركات الذهب والاتصالات التي تدخل في معظم أيام الأسبوع كمشتري رئيسي.

ويشير إلى أن تلك الشركات تستخدم طرق عدة لجمع الدولار منها إطلاق عدد من السريحة وتوزيعهم في مناطق متفرقة مقابل عمولات محددة تدفع بحسب الكمية المتحصلة.

يشخص الخبير المصرفي شوقي عزمي حسنين المشكلة من ثلاث زوايا رئيسية: تتمثل الأولى في الخلل العام في الجهاز المصرفي وهو ما يستدعي ضرورة إعادة هيكلة بنك السودان المركزي والجهاز المصرفي بأسرع ما يمكن. ويشير حسنين في هذا الإطار إلى أن بعض المصارف تمنح مرابحات ضخمة ويقوم بعض أصحاب تلك المرابحات بتسييلها والمضاربة بها في سوق العملات ويغذي هذا بالتالي الاتجاه الصعودي المستمر في سعر الدولار نتيجة لزيادة الطلب من الجهات المضاربة.

أما الزاوية الثانية في نظر حسنين فتتلخص في اختلال معادلة تصدير الذهب التي يجب أن تكون في صالح دعم موجودات النقد الأجنبي في خزينة البنك المركزي وبالتالي تقوية العملة المحلية، لكن الأمر في حالة السودان الذي ينتج أكثر من 100 طن سنويا يأتي عكسيا ويتسبب في انخفاض الجنيه، إذ أن السياسة المتبعة حاليا تسمح لمصدري الذهب بدفع الحصائل مقدما وبالتالي يقومون بضخ مبالغ كبيرة في السوق السوداء من أجل تحويلها إلى دولار وهو واحد من الأسباب الكبيرة لانخفاض الجنيه.

ويلخص حسنين الزاوية الثالثة في إهمال الإنتاج الذي أدى بدوره إلى تراجع الصادرات وارتفاع حجم الواردات من سلع بعضها أساسي والآخر كمالي يتسبب في إرهاق سوق النقد الأجنبي بشكل كبير.

ويصف عدد من الخبراء والمستوردين والتجار الأوضاع الحالية التي تعيشها الأسواق بالمخيفة، مشيرا إلى أنهم يتعرضون لخسائر فادحة جراء الضعف المتواصل للعملة المحلية والتراجع الكبير في القوى الشرائية للمستهلك الذي يعتبر المتضرر الأكبر من أوضاع السوق الحالية.

وقال علاء الدين العوض رئيس مجلس إدارة شركة الامتياز المتخصصة في استيراد وتوزيع قطع غيار السيارات اليابانية والكورية إن قطاع تجارة قطع غيار السيارات يواجه مثله مثل غيره من القطاعات التي تعتمد على الاستيراد مخاطر كبيرة بسبب تذبذب سعر العملة المحلية، مشيرا إلى أن شركات القطاع المقدر حجمه بنحو 200 مليون دولار سنويا تتعرض لخسائر فادحة وتواجه صعوبات كبيرة في القدرة على الاستمرار في ظل تراجع القدرة الشرائية لأكثر من 50 في المئة بسبب الارتفاع الكبير في أسعار قطع الغيار بالعملة المحلية.

وينطبق نفس الأمر على مستوردي الأغذية ومواد البناء والأجهزة الكهربائية والإلكترونية والطبية والأدوية التي يعتمد السوق المحلي على الاستيراد لتوفير معظمها.

وفي هذا السياق يقول نزار عركي وهو تاجر أجهزة إلكترونية في السوق العربي في الخرطوم إن حالة من الركود تضرب الأسواق إذ أجبر ارتفاع الدولار العديد من التجار على الأحجام عن البيع كما أن اهتمامات المستهلك تغيرت كثيرا وأصبح الهم الأكبر لديه هو توفير الأساسيات.

ويشير عركي إلى أن معظم الأجهزة الإلكترونية والمنزلية ارتفعت بنحو 50 في المئة خلال الأشهر الثلاث الماضية بسبب فقدان الجنيه لجزء كبير من قيمته.

يقول محمد عوض وهو مدير تسويق في شركة باعبود التي تعمل في مجالات مختلفة إن التدهور المتواصل في قيمة الجنيه دفع بالعديد من الشركات والمستوردين للجوء إلى آليات جديدة لتقليص التبعات المترتبة لأي صفقات أو تعاقدات تتعلق بأنشطتهم.

ومن أهم تلك الآليات التعاقد بالدولار بدلا من العملة المحلية أو إصدار عروض لفترات قصيرة نسبيا لا تتعدى الخمسة أيام في الكثير من الحالات لضمان عدم حدوث فارق كبير في أسعار السلع والخدمات المقدمة في حال مقارنتها بالدولار.

ويشير عوض إلى مشكلة أخرى تتمثل في تعطل العديد من المشروعات الحكومية بسبب انخفاض الجنيه، إذ أن المؤسسات الحكومية في الغالب لا تقبل عروض بالدولار في العطاءات المطروحة من قبلها وعندما تتقدم الشركات بعروضها تكون غالبا عرضة للخسارة عند تنفيذ المشروعات أو في المراحل اللاحقة لبدء التنفيذ في ظل التراجع السريع في سعر العملة المحلية واعتماد معظم المشروعات على مدخلات مستوردة.

المرصد
الأسبوع