الاقتصاد الليبي

السفارات الليبية في الخارج... دبلوماسية الاستثراء والفساد

بوابة إفريقيا الاقتصادية

كشفت وزيرة الصحة السابقة فاطمة الحمروش عما قالت إنه فساد كبير في السفارة الليبية في لندن. وقالت الحمروش في 27 سبتمبر من العام المنقضي، إن أموالا كبيرة أنفقت في السفارة بين أعوام 2011 و2015 دون أن يكون لتلك الأموال أثر واضح. تصريح الوزيرة الليبية ليس مفاجئا في علاقة بالبعثات الدبلوماسية في الخارج التي تلحق العديد منها تهم الفساد مستغلّة في ذلك الأوضاع التي مرّت بها والخلافات السياسيّة التي قسّمت القرار الوطني.

الحمروش وفي عارض حديثها عن الفساد في سفارة ليبيا بالعاصمة البريطانيّة أشارت إلى أنه بين 2011 و2015 تم صرف مبلغ 74 مليون جنيه استرليني (حوالي 140 مليون دينار) بطرق مشبوهة من بينها تخصيص متبات لدبلوماسيين لا يقومون بأي خدمة في السفارة. كما أضافت أن السلطات الليبية خصصت 10 ملايين دولار لفائدة المكتب الصحي بإيرلندا، لم يصرف منها إلا ثلث المبلغ تقريبا (بين 3 و3.5 مليون دولار)، أما بقية المبلغ فقد اختفت وتم إقفال المكتب وإيقاف مرتبات العاملين به دون سند قانوني، مؤكدة أنه لم تتخذ أي إجراءات للمحاسبة إلى اليوم.

كلام الحمروش سبقته أيضا تصريحات للصحفي الليبي محمد محيسن عن وجود تجاوزات مالية في العديد من السفارات الليبية، حيث أشار في تدخلات صحفيّة إلى "توظيف عشرات الأشخاص يصرفون مئات الألاف من العملة الصعبة دون موجب وخاصة في الدول التي لا قيمة لتواجد سفارة ليبية فيها من الأساس. كما عاد إلى قضايا فساد تتعلق بالسفارات الليبية في البرازيل وروسيا والأمم المتحدة وغيرهما ممكن يحملون جنسيات مزدوجة تتعارض مع المهام الموكولة لهم".

وأضاف محيسن أن السفارة الليبية في القاهرة تلحقها تهم كبيرة في استغلال ميزانية الدولة لمنافع خاصة، من بينها تسلّم ميزانية بناء مقر جديد لها، لكن تم استغلاله في مشاريع تجاريّة ولم يحاسب أي أحد إلى اليوم على تجاوزاته. تصريحات محيسن حول بعثة القاهرة لم تكن جديدة، حيث سبق لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" أن نشرت في 2015 تقريرا حول القضية، مشيرة إلى أن أطرافا من السفارة سجّلت أرقام جوازات سفر لأشخاص متوفين على أنهم مرضى مقيمين بالقاهرة ويحتاجون إلى مصاريف علاج بألمانيا، لكن تلك الأموال كانت تذهب إلى أشخاص آخرين. وهذه القضيّة شبيهة بما وقع في السفارة الليبية في سويسرا عام 2014 حيث كشفت مصادر سويسرية عن استغلال نفوذ من طرف دبلوماسيين تحصلوا على امتيازات خاصة في ملفات الجرحى والمرضى الليبيين.

وأظهر تقرير نشرته بعض الوكالات في 2018 قيام مسؤولين دبلوماسيين ليبيين بالقاهرة "بالتصرف في عقارات الدولة الليبية ونقلها لأسمائهم الخاصّة من خلال استغلال الأموال المرصودة في شراء قطعة أرض إلى عملية تجارية لفائدة أحد الدبلوماسيين المقيمين هناك وهي قضيّة من أنظار القضاء في مصر وليبيا. كما أن التجاوزات تمت أيضا من خلال منح قروض وامتيازات لفائدة موظفين لم يلتزموا بإرجاعها عند مغادرتهم ما فرض على السفارة إرجاع تلك الأموال من ميزانتها الخاصّة.

الحكومة الليبية المؤقتة بدورها تطرقت للفساد المالي في البعثات الليبية بالخارج، متهمة حكومة الوفاق بإهدار المال العام. فقد نقل موقع "سبوتنيك" الروسي عن المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة المؤقتة معتز عز الدين الطرابلسي، أن 6 ملايين دينار أنفقت في علاج عدد قليل من المرضى خارج البلاد، معتبرا أنها مصاريف مروّعة تكفي لعلاج كل الليبيين الموجودين داخل البلاد. وأشار الطرابلسي إلى أن "الانقسام الذي تعيشه السلطة في ليبيا تسبب في توزيع ولاءات سفاراتها بالخارج وملحقياتها بين حكومة الوفاق.... والحكومة المؤقتة".

السفارة الليبية في تونس بدورها كانت جزءا من الفساد حيث أشارت "بوابة إفريقيا الإخبارية" في تقارير سابقة إلى ارتفاع عدد الموظفين والعاملين بشكل كبير بلغوا 111 موظف سنة 2016 بعد أن كان عددهم لا يتجاوز 24 سنة 2011، لم تُراعَ في التعاقد معهم الأسس المعمول بها في تحديد مهامهم وقسمة مرتباتهم". وأضاف التقرير أن تلك التجاوزات بلغت "قيمتها سنة 2014 فقط 18,633,484 يورو، في ظل عدم قدرة السفارة على تحليل مفردات الأرصدة وتدقيق السجلات المالية، كما تم توثيق التصرف في الودائع في غير ما خصصت له.

سفارات أخرى لحقها الفساد، مثل مدريد والنمسا وهولندا من خلال حصول موظفيها على امتيازات تتجاوز مستحقاتهم، بالإضافة إلى قيامهم هم أيضا بتجاوزات في مستوى المصاريف من خلال استغلال أموال السفارات في منافع خاصة أو استدعاء أشخاص متنفذين إلى تلك الدول على حساب السفارات مثل ما وقع العام 2015 في مدريد حيث وزّعت دعوات لشخصيات نافذة في طرابلس هي وعائلاتها دون الأخذ في الاعتبار أموال الليبيين.

من المؤكد أن مشكل الانقسام السياسي يلقي بظلاله على أوضاع ليبيا في كل المستويات، والتجاوزات الكثيرة الواقعة في البلاد والتي من بينها الفساد في مستوى البعثات الدبلوماسية تعتبر مظهرا من مظاهر ذلك الانقسام، حيث يعرف أغلب المتجاوزين أن وضع البلاد الأمني والسياسي يجعلهم في حل من كل ملاحقة قانونية رغم التصريحات التي قد تكون من هنا أو هناك عن اتخاذ إجراءات قضائية في حق من تلحقه شبه فساد في الخارج.

السفارات الليبية في الخارج ليبيا المملكة البريطانية تونس هولندا فاطمة الحمروش
المرصد
الأسبوع