الاقتصاد الليبي

الحرب والثروة الضائعة... كيف تسبب الصراع في سرقة الليبيين

عملة ليبية
عملة ليبية

تدخل الفوضى التي تعيشها ليبيا عامها التاسع وسط حرب تدور رحاها في العاصمة طرابلس بعد حملة بدأها الجيش الليبي تحت قيادة المشير خليفة حفتر منذ أشهر بهدف بسط السيطرة عليها وإنهاء فوضى السلاح والمليشيات. الفوضى التي تعيشها البلاد تسببت في انهيار كبير على مستويات عدّة من بينها الاقتصاد الذي أنهكته مظاهر الفساد المختلفة.

في بلد مثل ليبيا، يتجاوز إنتاج النفط اليومي أكثر من مليون برميل، بما يعني أننا أمام بلد غنيّ تدخل خزينته ملايين الدولارات في اليوم الواحد. لكن عندما نسأل هل الأمور تسير في اتجاهها الصحيح، طبيعي أن تكون الإجابة بالنفي. ليبيا منذ سنوات هي ساحة مفتوحة أمام مبيّضي الأموال وسارقيها داخليا وخارجيا. مليارات الدولارات من قوت هذا الشعب مخزنة اليوم في أكبر البنوك العالمية لحسابات أطراف وجدت في الحرب فرصة للاستثراء وتكديس عائدات البلاد لفائدتها دون أي خوف من أحد.

منذ بداية الأزمة السياسية والأمنية التي دخلت فيها البلاد العام 2011، كانت الأعين مصوّبة نحو الثروات الكبيرة التي تتمتع بها. تحليلات كثيرة تذهب في اتجاه أن الحرب التي شنّها الناتو كانت تذهب في ذلك الاتجاه. القوى العالمية لم تعد قادرة على ترك فرصة الانقضاض على تلك الأموال الكثيرة التي قد تجعل بلدا مغضوبا عنه منافسا اقتصاديا في المنطقة العربيّة والإفريقية، لذلك سعت إلى استغلال أول مناسبة تتوفر لها.

في شهر فبراير 2013، تحدّث الكاتب الليبي أسعد امبيّة عن أكبر عمليّة سرقة للأموال الليبية، داعيا إلى ضرورة الإسراع بكشفها. الصحفي الليبي قال وقتها في تصريحات صحفيّة إن المبالغ السروقة بلغت 100 مليار دولار، 60 مليارا منها توم تحويلها إلى دول عربيّة ساهمت في تأجيج الأوضاع في البلاد، و40 مليارا كانت مخزّنة في مصارف ليبية مختلفة، تم تبديدها في مسالك غير معروفة يرجّح أن أغلبها ليبية سواء داخل البلاد أو خارجها.

في تقرير نشره موقع "المجلّة" في أبريل حول الأموال الليبيّة المنهوبة، تم الاستشهاد بأقوال للمهتمين بالملف الليبي، من بينهم المبعوث الأممي غسّان سلامة، الذي قال في مايو 2017، إن "الطبقة السياسية في ليبيا لديها كمٌّ كبير من الفساد يندى له الجبين، وأن ثروات طائلة تنتج عن المناصب يجري استثمارها خارج ليبيا، سياسيون في ليبيا يستولون على المال العام ثم يوظفونه في الخارج". وهو تصريح يكفي للتأكيد أن عمليات النهب بلغت درجة كبيرة لا تعرف كيفيّة معالجتها في ظل وضع أمني وسياسي لا أفق لانفراجه في المستقبل القريب نظرا لحدّة الخلافات بين فرقاء السياسة والسلاح.

التقرير استند أيضا إلى تصريحات الوزير الأسبق للمالية حسين زقلام، الذي دق ناقوس الخطر حول ضياع الأموال الليبية قائلا إن "إجمالي المبالغ التي تم الإعلان عن الإفراج عنها من الأموال الليبية المجمدة في الخارج بلغت أكثر من مائة مليار دولار. وأن هذه المبالغ كان يفترض أنها ستوجه بالدرجة الأولى إلى برنامج إعادة الإعمار والتعاقد مع عدد من الشركات، خاصة فيما يتعلق بصيانة وتأهيل المدارس وبعض المستشفيات والجامعات ومقرات الشرطة والإدارات ومؤسسات الدولة التي تعرضت للتخريب والتدمير خلال فترة الثورة، وكذلك استكمال بعض المشروعات خاصة المطارات... لكن هذه الأموال يتم تهريبها عبر المطارات والموانئ والمنافذ البرية".

موقع "العربيّة نت" بدوره تناول ملف الأموال الليبية في بلجيكا التي اختفت منها مبالغ تفوق 5 مليار يورو، فتح فيها تحقيق بسبب ما قال النائب البلجيكي جورج غيلكينيت، إنها توجهت إلى جهات مجهولة يرجح أنها مليشيات نافذة في طرابلس ومرتبطة بأطراف حكوميّة تابعة لحكومة الوفاق في طرابلس. وقد اتهم النائب سلطات بلاده بالمشاركة في العملية قائلا إن
"هذا يظهر أن بلجيكا لم تمتثل لقرار الأمم المتحدة بتجميد الأصول الليبية خاصة تلك الخاضعة للعقيد معمر القذافي"، مطالباً "بتوضيح الوضع حتى لا يؤدي الأمر إلى فضيحة كبيرة".

الموقع استند إلى شهادة رئيس "لجنة الأموال الليبية المهرّبة والمنهوبة" بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق أنور عريف، الذي قال، إنه لا يمتلك "أي معلومات أو خلفيات عن هذه القضيّة"، حيث لم يتم التواصل معهم من أجل إعلامهم بوجود أشخاص أو جهات في ليبيا، تستفيد من فوائد وأرباح حسابات القذافي المجمدة في البنوك البلجيكية"، وهو تصريح يبيّن درجة الفوضى وضعف التواصل حتى داخل "الوفاق"، وهو ما يشير إلى أن الأخيرة قد تكون جزءا من المشكل وأن أطرافا مقرّبة منها ربّما متهمة في القضيّة.

وبغض النظر عما ورد في التقارير السابقة، إلا أن الصورة مكشوفة أمام الجميع وحتى التقارير الدولية تصنّف ليبيا في أواخر ترتيب الدول في العالم في مستوى التعامل مع الأموال، مرجعة ذلك إلى الحالة الأمنية التي أصبحت تعانيها منذ الإطاحة بنظام العقيد الليبي معمّر القذافي، الذي ترك احتياطيا ماليا يتجاوز 150 مليار دولار، تم التلاعب بأكثر من ثلثيها في مصاريف غير معروفة المسالك أو التصرّف فيها بطرق غير مدروسة، الأمر الذي تسبب في انهيار قيمة الدينار إلى مستويات قياسيّة

ليبيا الاقتصاد الليبي مصرف ليبيا المركزي حرب طرابلس
المرصد
الأسبوع