الاقتصاد الليبي

الاتفاق البحري مع تركيا يفتح بوابة الجحيم على السراج وحكومته

بوابة إفريقيا الاقتصادية

يبدو أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية قرر أن يفتح على نفسه بوابة الجحيم على نفسه ، ودخل في دائرة الصراع الإقليمي والدولي الذي بات يتبلور في منطقة شرق المتوسط بين تركيا من جهة و اليونان وقبرص المتحالفتين مع مصر والمدعومتين من قبل الإتحاد الأوروبي الذي تنتميان إليه والولايات المتحدة التي تساندهما في دفاعهما عن سيادتهما على مياههما الإقليمية وإستغلالهما لحقول النفط والغاز المكتشفة حديثا داخل تلك المياه لم يكن وزير خارجية الوفاق محمد سيالة مجانبا للصواب، هذه المرة على الأقل ، عندما عبر عن خشيته من غضب الإتحاد الأوروبي من مذكرتي الإتفاق التي أبرمهما فائز السراج مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء الماضي وخاصة الإتفاق البحري رغم أن لا حدود بحرية مباشرة تجمع بين ليبيا وتركيا
وقال سيالة : “هي مذكرة تفاهم تعني بالحقوق البحرية، وتحمي السيادة الليبية فيما يتعلق بالمناطق البحرية للدولتين المتقابلتين وتحدد حقوق كل منهما، ومكاسبنا فيها حماية هذه المنطقة وسيادة ليبيا على منطقتها وفقًا لما حدده قانون البحار الدولي” مضيفا : “نأمل ألا تقلق هذه الاتفاقية الاتحاد الأوروبي، فالدول المقابلة التي لم يتم الاتفاق معها، نحن على استعداد للاتفاق معها لتحديد المناطق البحرية، خاصة وأن اللجوء إلى قواعد القانون الدولي شيى حضاري”


سيكون من اللافت التأكيد على أن الحكومة التركية هي التي أعدت نص الإتفاقية منذ أكثر من عام ، وإعتمدت على جماعات الضغط التابعة لها في طرابلس للدفع بالسراج الى التوقيع عليها ، وهو ما جعل عدد من الشخصيات المرتبطة بحكومة الوفاق وبتيار الإسلام السياسي تشير الى أن التوقيع من قبل الطرف الليبي كان لترضية المقاتلين في الجبهات ، وللرفع من معنوياتهم ، خصوصا وأن الإتفاقية البحرية إرتبطت بإتفاقية ثانية تنص على التعاون الأمني والعسكري
في أكتوبر الماضي أعلنت صحيفة «يني شفق» في مقال تحت عنوان “اتفاقية بين تركيا وليبيا يمكن أن تقلب الموازين في شرق المتوسط” إن تركيا تستطيع بعدما نجحت في القضاء على ممر الإرهاب في سوريا وضع خطوات مهمة في منطقة شرق البحر المتوسط عن طريق توقيع اتفاق مع ليبيا من أجل “تحديد مناطق النفوذ البحرية”.
وأشارت الصحيفة الى أن الإتفاق هو وليد نظرية تضمنها كتاب “ليبيا جارة تركيا من البحر” الذي دعا فيه مؤلفه اللواء البحري بالجيش التركي جهاد يايجي إلى ضرورة توقيع الاتفاق مع ليبيا في أقرب فرصة للحيلولة دون اغتصاب اليونان وقبرص اليونانية الجنوبية الحقوق في المنطقة، وفق تعبيره ، وأوضحت أن يايجي تناول في كتابه الذي نشره مركز أوراسيا للدراسات الاستراتيجية ، الدور الليبي في تحديد مناطق النفوذ البحري في منطقة شرق البحر المتوسط ، معرفا مصطلح المنطقة الاقتصادية الخالصة في منطقة شرق المتوسط إلى الرأي العام من خلال الأسئلة والأجوبة ، كما أوضح في كتابه المبررات القانونية لاتفاق تركيا مع ليبيا حول تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة، مؤكدًا أنّ هذا الاتفاق سيفسد السيناريو الذي وضعه اليونان وقبرص اليونانية لتقاسم منطقة شرق المتوسط بعد اغتصاب حقوق تركيا حسب زعمه.
وكشف يايجي أن "القيمة الإجمالية لاحتياطي الغاز الطبيعي في شرق المتوسط تبلغ 3 تريليونات دولار أمريكي"، لافتا إلى أن هذه الكمية كافية لتغطية احتياجات بلاده من الغاز الطبيعي 572 عاما، واحتياجات أوروبا 30 عاما ، كما اعتبر أن الاتفاق مع ليبيا في هذا الشأن سيكون بمثابة درع ضد اليونان وقبرص اليونانية ومصر، مشيرا إلى أن ما سماها بمنطقة النفوذ البحري التي سيتم تحديدها بين بلاده وليبيا ستحول "دون توقيع اليونان اتفاق منطقة اقتصادية خالصة مع قبرص اليونانية ومصر وتوقيع قبرص اليونانية اتفاقا مماثلا مع ليبيا".وأبرز يايجي أنّ توقيع تركيا اتفاق تحديد مناطق النفوذ البحرية مع ليبيا يمثل أخطر سيناريو بالنسبة لليونان ، لافتا الى أنه” “ينبغي التعجيل بتوقيع اتفاق المناطق الاقتصادية الخالصة بين تركيا وليبيا اللتين لديهما شواطئ بحرية متقابلة إذ إنّ توقيع اتفاق كهذا متوافق مع القانون الدولي يعتبر حقًّا مشروعًا بالنسبة لتركيا وليبيا كما أنه يصب في مصلحتهما”.
وتابع قائلا :”ستكون منطقة النفوذ البحري التي ستحدّد بين تركيا وليبيا بمثابة درع تركي بين اليونان وقبرص اليونانية ومصر إذ إنّ توقيع اتفاق مناطق النفوذ البحري بين تركيا وليبيا سيحول دون توقيع اليونان اتفاق منطقة اقتصادية خالصة مع قبرص اليونانية ومصر وتوقيع قبرص اليونانية اتفاق مماثل مع ليبيا كما أنّ هذا الاتفاق سيرسم الحدود الغربية للمنطقة الاقتصادية الخالصة التركية في شرق المتوسط”.
بعد أن تم الإعلان عن التوقيع على مذكرة التفاهم بين تركيا وليبيا، سارع وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس الى التأكيد على أن "هذا الهدف من المذكرة لا يمكن إدراكه تماما ، لأنه يتجاهل شيئًا أعتقد أنه يمكن للجميع رؤيته ،وهو أن هناك منطقة جغرافية كبيرة تفصل بين البلدين هي جزيرة كريت "
وتبع ذلك بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية اليرنانية ألكساندر جينيماتا ، الذي إعتبر أن المذكرة التركية الليبية انتهاك صارخ للقانون الدولي ، مؤكدًا أن "توقيع مذكرة تفاهم بين تركيا وليبيا لن يتمكن من إنتهاك الحقوق السيادية لثلاثة بلدان في إشارة الى اليونان وقبرص ومصر ، مثل هذا الإجراء ينتهك القانون البحري الدولي بشكل صارخ ولن يكون له أي تأثير قانوني. بالإضافة إلى ذلك ، فإن مثل هذا الإجراء لا يتماشى مع مبدأ حسن الجوار الذي يجب أن يحكم العلاقات بين الدول المجاورة ".
وأكدت تقارير يونانية أن التوقيع على المذكرة ، يرتبط بشكل كبير بإرسال تركيا في 13 نوفمبر الجاري وثيقة إلى الأمم المتحدة تحدد الإحداثيات التي تعتبرها المنطقة الاقتصادية الخالصة التركية، وأضافت أنه بوضع ليبيا في اللعبة ، فإن الجانب التركي يحاول إعطاء الشرعية لنفسه وفي الوقت نفسه يعطي الانطباع بأن قراره ليس عملا أحاديا ، وإنما هناك نوع من الاتفاق مع دول المنطقة ، ومع ذلك ،، فإن هذه هي الخطوة الوحيدة التي تمكنت تركيا من القيام بها ، حيث أن كلا من اليونان وقبرص قد ربطتا اتفاقياتهما مع دول في المنطقة وهي مصر وإسرائيل ولبنان.
ويتضمن الخطاب التركي الى الأمم المتحدة ما سمته أنقرة بمشروع "الوطن الأزرق" الذي ينص على تمدد الحدود التركية البحرية في شرق البحر المتوسط ،حيث زعمت أن لها الحق في مناطق بحرية جنوب جزيرة رودس اليونانية، وهو ما يتجاهل عنوة وجود جزيرة يونانية في جنوب غرب بحر إيجه وهي دوديكانيسي ، بجانب جزيرة كريت الكبيرة، وهما جزيرتان تقعان بين تركيا وليبيا بالبحر المتوسط.
وطالب الخطاب التركي أيضًا اليونان ومصر وليبيا، بمناقشة كيفية ترسيم الحدود البحرية في المنطقة غرب جزيرة رودس اليونانية بالمتوسط.
وقد أكدت القاهرة وأثينا ونيقوسيا على “عدم وجود أي أثر قانوني” للاتفاق بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية ، وجاء في بيان للمتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، أحمد حافظ، صدر عقب المكالمتين الهاتفيتين بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيريه اليوناني نيكوس دندياس والقبرصي نيكوس خريستودوليس، الخميس، أن الوزير المصري بحث معهما الإعلان عن توقيع تركيا مذكرتي تفاهم حول التعاون الأمني والمناطق البحرية مع رئيس المجلس الرئاسي التابع لحكومة الوفاق، فايز السراج ،و “تم التوافق بين الوزراء على عدم وجود أي أثر قانوني لهذا الإجراء الذي لن يتم الاعتداد به لكونه يتعدى صلاحيات رئيس مجلس الوزراء الليبي وفقا لاتفاق الصخيرات، فضلا عن أنه لن يؤثر على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط بأي حال من الأحوال”.
كانت الأزمة بين تركيا وقبرص قد بلغت أوجها في يوليو 2019 عقب وصول السفينة التركية (ياووز) إلى شرقي سواحل قبرص للتنقيب، بعد أن كانت قد بدأت بالفعل في أعمال التنقيب غربي جزيرة قبرص في بداية مايو بواسطة السفينة (فاتح) ، بينما أعلنت الولايات المتحدة رفض التجاوزات التركية قبل أشهر،
كما كشف الاتحاد الأوروبي في 11 نوفمبر الجاري عن إقراره نظاما لفرض عقوبات على تركيا، بسبب عمليات التنقيب عن الغاز غير المصرح بها في مياه البحر المتوسط، قبالة قبرص.
وتبنى وزراء خارجية التكتل الأوروبي آلية تسمح “بمعاقبة أفراد أو كيانات مسؤولة عن أنشطة التنقيب غير المصرح بها عن الهيدروكربونات أو المشاركة فيها”، ليكونوا بذلك قد توصلوا إلى نظام عقوبات على تركيا، و هو ما يعطي للدول الأعضاء إمكانية تقديم أسماء أولئك الذين تعتقد أنه ينبغي إدراجهم في القائمة.
ويوجح المراقبون أن تشمل العقوبات حظر السفر وتجميد الأصول بالنسبة للأشخاص و”الكيانات” مثل الشركات أو المنظمات، وسيتم منع مواطني وشركات الاتحاد الأوروبي من تقديم الأموال والتمويل لهم.
وفي يونيو 2019 أدان المجلس الأوروبي بشدة استمرار أنشطة تركيا غير القانونية في شرق البحر المتوسط وبحر إيجة، معرباً عن قلقه البالغ إزاء عمليات الحفر التركية غير القانونية الحالية في شرق البحر المتوسط، وشجب عدم استجابة تركيا للنداءات المتكررة من الاتحاد الأوروبي بوقف هذه الأنشطة، كما شدد المجلس الأوروبي على التأثير السلبي الخطير الحالي لهذه الأعمال غير القانونية على نطاق العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. داعيا أنقرة إلى التحلي بضبط النفس واحترام الحقوق السيادية لقبرص، والامتناع عن أي من هذه الأعمال.
قال رئيس الوزراء اليوناني اليكسيس تسيبراس إن تركيا قد تواجه عواقب من أوروبا إذا استمرت في تحدي حق قبرص في التنقيب عن الغاز ،وأضاف : "هناك تصاعد في العدوان التركي وهو شيء لا نلاحظه فقط في علاقات تركيا باليونان وقبرص، ولكن أيضاً مع بلدان مهمة مثل الولايات المتحدة ومع أوروبا".
وفي أوائل أكتوبر 2019 أعلنت أنقرة بدء جولة جديدة من عمليات الحفر في شرق المتوسط جنوبي قبرص، لتندلع بذلك أزمة جديدة بين قبرص وتركيا، بشأن أعمال التنقيب، التي تمارسها أنقرة بشكل غير قانوني، إذ أعربت نيقوسيا في بيان شديد اللهجة عن رفضها “أساليب البلطجة” التركية ،وأكدت على حقها في حماية سيادتها داخل مياهها الإقليمية، مدعومة بتأييد أوروبي رافض للتجاوزات التركية، إذ أعربت بريطانيا، عن استنكارها لأي أعمال تنقيب في المياه الإقليمية لقبرص، وأيدت حق نيقوسيا في استخراج النفط والغاز في منطقتها الاقتصادية الخالصة.
وترفض تركيا الاعتراف بالحدود البحرية لجزيرة قبرص، التي انقسمت إلى شطرين بعد غزو تركي عام 1974، حيث تمثل الحكومة القبرصية في الشطر اليوناني دولة قبرص في الاتحاد الأوروبي، بينما لا تعترف سوى أنقرة بدولة القبارصة الأتراك المنشقة في الشمال.
وتؤكد نيقوسيا، أن تحرك أنقرة الأخير يعد بمثابة تصعيد حاد وسلوك عدواني وانتهاكا لحقوقها السيادية، مدعومة بموقف دولي داعم لحقوقها.
ويجمع المراقبون على أن حكومة الوفاق الليبية قد زجت بنفسها في صراع إقليمي ودولي لخدمة أهداف أردوغان التوسعية سواء ضد اليونان وقبرص المنضويتين تحت لواء الإتحاد الأوروبي أو ضد مصر التي يناصبها المجلس الرئاسي بطرابلس وحكومة حزب العدالة والتنمية التركية العداء بسبب مواقفها من قوى الإسلام السياسي والميلشيات الإرهابية الحاكمة في طرابلس
ويشير المراقبون الى أن حكومة السراج وضعت كل البيض في سلة أردوغان متجاهلة التوازنات السياسية والإستراتيجية في المنطقة وميزان التحالفات المعلنة أو غير المعلنة ، بما يجعلها تفقد أي خط للتواصل مع الإتحاد الأوروبي وكذلك مع واشنطن التي سبق وأن عبرت عن رفضها لمحاولات التمدد التركي في شرق المتوسط ، الى جانب ثبوت تآمرها على الأمن القومي والإقتصادي لمصر ،
يضاف الى ذلك أن حكومة السراج أخلت ببنود إتفاقية الصخيرات المعلنة في ديسمبر 2015 وبمضامين الإعلان الدستوري الليبي التي تمنعها من توقيع أي إتفاقية مع دولة أجنبية دون موافقة البرلمان المنتخب

المرصد
الأسبوع