الاقتصاد الليبي

القطاع النفطي... عصب الاقتصاد الليبي المتذبذب

نفط ليبيا
نفط ليبيا

تنعكس تمظهرات تردي الاقتصاد الليبي التي بلغت حدّ التأزم على مظاهر الحياة الاقتصادية في ليبيا حيث بدأت تتكشف مظاهر الأزمة مع منتصف العام 2014 وصارت الحال تشتد كل يوم جديد إلى أن وصلت حالة انسداد مالي واقتصادي.

ظلال هذه الأزمة القاتمة قد ألقت بثقلها على المواطن العادي حيث أصابته في محور معيشته الأساسي مما جعله يعاني بشدة من أثر ذلك وانعكس بوضوح على مستوى عيشه البسيط حين وجد نفسه شبه عاجز على مجاراة الانحدار الخطير في قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية والارتفاع السريع في أسعار السلع الضرورية التي ما عاد قادرا على ملاحقتها.

من ذلك، يعتبر القطاع النفطي بمثابة حجر الأساس في توازنات الإقتصاد الليبي لهذا فهو محدّد و حاسم في المؤشرات الإقتصادية للبلد،  إذ تعتمد 97% من عائدات الدولة على إنتاج النفط والغاز، مما يخلق تبعية ضعيفة في هياكل الدولة.

فبعد فترة من الاستقرار النسبي، بدأ إنتاج النفط في ليبيا يتأرجح مجددا بفعل المواجهات في مرافئ التصدير الشرقية، واختطاف اثنين من العاملين بحقل الشرارة النفطي العملاق.

وأجبرت اشتباكات مسلحة أعقبها صراع على النفوذ السياسي المؤسسة الوطنية للنفط إلى وقف التصدير من مرافئ رأس لانوف والسدرة والزويتينة والحريقة أواخر يونيو وأوائل يوليو مما هدد باستمرار توقف إنتاج نحو 850 ألف برميل يوميا من النفط الخام.

وفُتحت المرافئ في 11 يوليو، واستأنفت الحقول النفطية في شرق البلاد عملياتها تدريجيا. وانتهى أيضا إغلاق طويل لحقل الفيل في جنوب غرب البلاد، لكن بعد ذلك بيومين، انخفض إنتاج حقل الشرارة القريب البالغة طاقته 300 ألف برميل يوميا بعد اختطاف اثنين من العاملين فيه.

وظل إنتاج ليبيا عند نحو مليون برميل يوميا لما يزيد على عام ووصل إلى 1.28 مليون برميل يوميا في فبراير شباط حيث كان معظم الإغلاقات يحل في غضون أيام أو أسابيع.

إذ لدى ليبيا أكبر احتياطيات نفط مؤكدة في إفريقيا، وهي مورد مهم للخام الخفيف المنخفض الكبريت إلى أوروبا. وفي 1970 تقريبا كانت ليبيا تنتج أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا حسب أرقام رسمية.  و قبل الأحداث التي دعمها حلف شمال الأطلسي وأدت إلى الإطاحة بمعمر القذافي ومقتله قبل سبع سنوات، كانت ليبيا تنتج أكثر من 1.6 مليون برميل يوميا.

وفي العام الماضي عرضت المؤسسة الوطنية للنفط خططا تهدف إلى زيادة الإنتاج إلى 2.2 مليون برميل يوميا بحلول 2023، لكنها قالت إن هذا يحتاج استثمارات بنحو 18 مليار دولار. ولدى شركات نفط أجنبية من بينها إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية وكونوكو فيليبس وهيس الأميركيتين حصص في الإنتاج عبر مشاريع مشتركة مع المؤسسة الوطنية للنفط.

إذ أقرت  كورنيلينا ميور، المحللة المتخصصة بشؤون الطاقة في حديث لبرنامج "أسواق الشرق الأوسط لسي ان ان  بأن الإنتاج النفطي الليبي يعاني من مشاكل حالياً، بدليل ثبات إنتاج النفط والغاز دون زيادة طوال العقد المنصرم، لكنها أعادت الأمر إلى ضعف الاستثمار في ذلك القطاع خلال السنوات الماضية. وشرحت ميور قائلة: "قبل الفترة التي بدأت فيها ليبيا بالتعاون مع المجتمع الدولي في مجال إنهاء ملف أسلحة الدمار الشامل والتعاون في محاربة الإرهاب كان من الصعب الاستثمار فيها أو نقص المعدات إليها".

وأضافت ميور أنه بعد رفع العقوبات عن ليبيا عام 2004، شهدت البلاد تدفقاً كبيراً للشركات النفطية، وتلقت طرابلس أكثر من مائة عرض من 50 شركة، بعضها أمريكية وفرنسية وإيطالية، وتمكنت شركة بي بي من الفوز بعقد للتنقيب في خليج سرت عام 2007.

لكن السؤال المطروح هنا ماهي الدوافع الرئيسية لإنخفاض الإنتاج بعد 2011؟

منذ أحداث 2011 في ليبيا، يشهد البلد قليل السكان انقساما في السلطة. وقد استخدمت مجموعات محلية منشآت النفط كأدوات مساومة من أجل الضغط لتحقيق مطالب مالية وسياسية. وعطلت فصائل مسلحة في أنحاء البلاد الإنتاج في حقول وموانئ رئيسية. شمل ذلك إغلاقا دام طويلا لمرافئ في الهلال النفطي الواقع في شرق ليبيا خلال الفترة من 2013 إلى 2016.  وأدت عمليات الإغلاق العشوائي لفترات طويلة إلى انخفاض الضغط في آبار النفط.

وفي تقرير للبنك الدولي أكد فيه أن الاقتصاد الليبي على شفا الانهيار فيما يحول الجمود السياسي والصراع الأهلي دون استغلال البلد لمورده الطبيعي الأساسي وهو النفط، ففي ظل انخفاض إنتاج النفط إلى خمس أضعافه في السابق هبطت  الإيرادات وتفاقم عجز الميزانية وعجز الحساب الجاري بأرقام قياسية تاريخية في اقتصاد ليبيا، ومع فقدان الدينار السريع لقيمته أمام الدينار وتسارع معدل التضخم مما أدى إلى تآكل الدخل الحقيقي وتدني مستوى المعيشة للمواطن.

ومع انخفاض إيرادات ليبيا بسبب تعطيل الإنتاج وتدني أسعار الخام، زاد انتشار المطالبات بالرواتب والتنمية المحلية وفرص العمل، والتي تذكي عمليات الإغلاق وهاجم مقاتلو تنظيم داعش حقول نفط وموانئ في 2015 و2016 قبل أن تتصدى لهم قوات الجيش الوطني وتجبرهم على الانسحاب. لكن لم يتم إصلاح الأضرار التي تسبب بها مقاتلو التنظيم لصهاريج التخزين في أكبر مينائين في ليبيا وهما السدرة ورأس لانوف. وتظل حقول من بينها المبروك والغاني مغلقة.

إذ يصف متابعو الوضع الأمني في ليبيا المتصل بتحركات الجماعات المتطرفة والإرهابية، وتحديدًا تنظيم داعش، ويشير هؤلاء بناء على معطيات الخبراء أن التنظيم المتطرف اعتمد  استراتيجية التوسع في الأراضي الليبية «بحثا عن براميل النفط والذهب الأسود، في أعقاب التضييق عليه واستهداف عناصره في العراق وسوريا». 

فأفعال داعش على أرض ليبيا تتسم بالفوضى والدموية، لإجبار الليبيين على التسليم والخضوع لإرادتهم وزرع الخوف في نفوسهم.

ويفرض شح التمويل ضغطا إضافيا على البنية التحتية القديمة، إضافة إلى الانقطاعات المتكررة للكهرباء. وللشركات العالمية حضور محدود في البر، وتوقفت أنشطة التنقيب وبرامج التطوير في معظمها.

و من بين أسباب الإغلاقات احتجاجات اقتصادية من مجموعات محلية تضغط للحصول على المال أو إطلاق سراح محاربين مسجونين وهو ما أثر على المرافئ والحقول الرئيسية وأجزاء من شبكة الأنابيب.

 ومن المفترض أن يتولى حرس المنشآت النفطية حماية مرافق النفط، لكنه أغلق الحرس حقل الفيل النفطي، البالغة طاقته 70 ألف برميل يوميا، هذا العام لما يزيد على أربعة أشهر.

إذ مازال الوضع الأمني غير مستقر، فهناك متشددون من بينهم بعض المرتبطين بتنظيم داعش في المناطق الصحراوية، ويشنون هجمات بالقرب من المنشآت أو الحقول في حوض سرت. ففي منتصف يونيو، شن إبراهيم الجضران جمع مقاتلين ومحيين ومرتزقة لمهاجمة مرفأي رأس لانوف والسدرة اللذين تسيطر عليهما الجيش الوطني منذ 2016.

وبعد دحر الهجوم، سلّم المشير خليفة حفتر الموانئ للمؤسسة الوطنية للنفط التابعة للبرلمان، وحلت الأزمة عن طريق تعهد بالنظر في أوجه إنفاق البنك المركزي، وتهديد بفرض عقوبات على من يحاولون تجاوز الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس، لكن تلك الحكومة التي أعلنت عن تحقيق في الإنفاق تفتقر إلى السلطة.

حيث صرّح الخبير المالي سليمان الشحومي أن الصراع الآن ليس على النفط في واقع الأمر بل علي إيراد النفط الذي يتجمع في بوتقة البنك المركزي طرابلس والذي يدار بشكل غير متوافق مع القانون ويقصي الطرف الآخر. علينا أن نتفق علي إعادة ترتيب إدارة البنك المركزي وتوحيدها ونبعدها عن التعاطي السياسي إذا أردنا المخرج السريع للأزمة.

بالتالي لا سبيل  للخروج بشكل شامل من كل ما يحدث سوى المضي قدما نحو الانتخابات وخلق سلطة تشريعية جديدة موحدة يمكن أن تنتج سلطة تنفيذية واحدة يقع علي عاتقها لملمة بقايا وطن يتصارع أبناؤه بالحديد والنار.

في نفس الإطار،أكد تقرير مؤسسة «كونراد أديناور» الألمانية حول الأزمة الإقتصادية الليبية أن اضطراب النشاط النفطي وإغلاق الحقول المهمة، له تأثير سلبي طويل الأجل على اقتصاد الدولة. ويعوق الإنتاج غير المنتظم قدرة الدولة على الاعتماد بشكل حصري على العائدات النفطية. ورغم التوقعات الليبية بتحقيق 22.5 مليار دولار من العائدات النفطية في 2018، قال التقرير إن مستوى الإنتاج الحالي، 978 ألف برميل يومياً، أقل بكثير من المطلوب.

ورغم دور المؤسسة الوطنية للنفط في رفع الإنتاج النفطي في الأشهر الأخيرة، رأى التقرير أن تأثيرها على آفاق صناعة النفط في ليبيا لا يزال محدوداً»، موضحاً أن «المؤسسة طالبت مراراً السلطات الليبية لإجراء الصيانة الدورية في حقول الإنتاج، لكن ذلك لم يحظ بجواب من الطرف الآخر.

وقال التقرير أيضاً إن الانقسام السياسي على المستوى الوطني يجعل من الصعب بالنسبة إلى أي مؤسسة رسمية اتخاذ قراراتها وفرض رؤيتها على جميع الأطراف في أنحاء الدولة.

ونتيجة لذلك، يعتمد الإنتاج النفطي في ليبيا على عوامل عدة بينها الإطار السياسي والوضع الأمني، والطرف المسيطر على الحقول النفطية، والطرف الخارجي صاحب النفوذ الأكبر للتعاون مع شركات النفط الليبية.

وتحدث التقرير عن الإغلاقات العشوائية لحقول النفط التي استمرت سنوات في منطقة الهلال النفطي، مشيرا إلى أن اضطراب الإنتاج النفطي يجعل من الصعب أن تسوق ليبيا إنتاجها وتمثيل صناعتها على المدى الطويل.

وتأرجح الإنتاج الليبي منذ فبراير 2017 بين 550 ألف برميل ليصل إلى 1.01 مليون برميل في يوليو، وينخفض مجدداً إلى 917 ألف برميل في ديسمبر. وقال التقرير إن «هذا التفاوت في معدلات الإنتاج يخلق وضعاً ضبابياً وغير مؤكد بالنسبة إلى شريحة كبيرة من السكان»، إذ يعتمد 80% من الليبيين على تلقي رواتب من الحكومة.

النفط الليبي الفوضى في ليبيا الحرب الليبية
المرصد
الأسبوع